فسرت بديعة بابتسامتها التي جاءت دليلا على بعض السرور، وقالت وهي تبتسم أيضا: إن الجمال هو أحد أركان السعادة، ولا غنى عنه في الصداقة بين النساء والرجال، وأنت بنظري حاصلة على أكمله؛ لأنني أنظر إليك بعين النفس وليس بعين الجسد كما نظر إليك ذلك الجاهل.
قالت جميلة: إنني بعد أن سمعت كلامك انفتح أمامي باب كان مقفلا من قبل، وهو باب معرفة واجبي نحو والدي على الأخص؛ لأن موتي على هذه الصورة كان يعني موتهما أيضا. ولما ذكرت الفتاة والديها أجهشت في البكاء، فساعدتها بديعة التي ذكرت بأنه كان لها والدان أيضا وقد كانا يحبانها.
وبعد أن غسلتا بعض الهموم بدموعهما الطاهرة تخابرتا بشأن السفر، فقر رأي جميلة على أن تذهب إلى أمريكا برفقة بديعة، وتخبر والديها بالأمر من مرسيليا، وأنها متى راقت الأحوال نوعا ترجع إليهما.
وقالت بديعة لرفيقتها بأن لها رفيقة أخرى يجب أن تذهبا إليها. فقالت جميلة: وهل من الواجب أن نخبرها بالقصة؟
قالت بديعة: كلا. لأنه قد قيل:
إذا ضاق صدر المرء عن كتم سره
فصدر الذي يستودع السر أضيق
وهذا الشعر وإن كان لا ينطبق على الجميع فهو صوابي؛ لأن في العالم خمسة أشخاص يؤتمنون على السر، وهم الوالدان والزوج العاقل المخلص والأخ والصديق الودود بعد امتحانه، وما عدا هؤلاء فالسر يكون معهم بين الشك واليقين.
ولما نزلتا إلى حيث كانت لوسيا، نظرت إليهما هذه شزرا وقالت لبديعة بغضب: ما هذا الإبطاء وأين كنت؟ فقالت بديعة بلطف: اعذريني يا عزيزتي؛ لأنه أتيح لي التعرف برفيقة جديدة ستكون لنا ثالثة، وخير الرفيقات الثلاث. ثم عرفتها بجميلة فلم تكترث لها لوسيا كثيرا، وكلمتها ببرودة كلية، ولا غرو فإن القلب أكبر دليل؛ لأن جميلة لما نظرت بوجهها عرفت الفرق بين النساء.
واستأنفت بديعة رحلتها العقلية، ولكن بتغيير قليل؛ لأنها بعد أن عرفت مصيبة جميلة صغرت مصيبتها قليلا في عينيها، ولا شيء يخفف المصاب إلا المصاب على حد ما قيل:
Shafi da ba'a sani ba