وكانت بديعة تسمع حديث الفتاة وتبكي لبكائها، فلما انتهت منه قالت لها: اسمحي لي يا أختي أن أقول لك بأنك ضعيفة للغاية. - وهل تكون قوية من تكون في مركزي؟ - نعم وألف نعم، متى انتصبت أمامها ثلاثة واجبات: أولها واجبها نحو نفسها بأن تخلصها لا تهلكها، وواجبها نحو والديها بأن لا تنغص حياتهما، وواجبها نحو بنات جنسها بأن لا تكون لهن مثلا قبيحا. - إن واجب الحب يفوق على كل ما ذكرت، وكأني بك لم تعانيه ولم يطعنك رجل بحربة الخيانة لتعرفي ما في.
فقالت بديعة: آه لو عرفت! ثم قالت بلطف وحماسة معا: إنني امرأة مثلك يا أختي، وغيرتي على بنات جنسي تدفعني للقول بأن المرأة التي تشقى حيث بوسعها أن تسعد، وتضر بنفسها وهي تقدر على نفعها لأجل رجل خائن، تكون ضعيفة جبانة وعارا على الجنس.
فتحركت لكلامها آلام الفتاة، وقالت: وبخيني ما شئت فأنا ممنونة، ولكن لا تقولي إن المرأة متى أحبت رجلا حبا حقيقيا تعود قادرة على نزع ذلك الحب من قلبها، ولو عرفت بأنه أكبر الخونة الأشقياء؛ فإن التحذر يكون قبل دخول الحب قلب المرأة وليس بعده.
فتأثرت بديعة لشرف عواطفها وقالت: إن هذا من الشرف، ولكن المرأة تحب من الرجل ما يكون بنفسها، فإن كانت شريفة تحب الرجل لشرفه، ولكن متى تبين لها خلاف هذا يجب أن تساعد على زوال هذا الحب من قلبها بالصبر وليس بالانتحار، وقد ذكرت لك ثلاثة واجبات تربط المرأة بحبل الصبر، وها أنا أذكر لك ما هو أعظم من جميعها - وهو الواجب الحقيقي - واجب الدين الذي يحرم علينا الانتحار لئلا نهلك نفوسنا.
أفلأجل رجل كالذي ذكرته تدوسين كل هذه الواجبات بقدمك وتذهبين ضحية جنونك، وهو باق يتنعم بالحياة ويضحك منك؟ يا لها من فظاعة عظيمة وعار لا يمحى!
ولما سمعت الفتاة كلام بديعة الأخير أطرقت في الأرض برهة وقالت: قد صارت تحلو لي المعيشة في الأرض بعد أن رأيت فتاة مخلصة مثلك فيها؛ فإن كلامك وإن يكن جارحا لأنه حق، فهو بلسم لجروح قلبي المضنى. فأنا أحببتك يا أختي حبا مخلصا قبل أن أعرف اسمك الذي سيكون جميلا كوجهك أو قلبك.
وبعد أن تعارفت الفتاتان وصرحت كل واحدة للأخرى باسمها، قالت بديعة لجميلة: رأيتك تتأملين بشيء قبل أن هممت بإغراق نفسك ...
قالت: نعم، إنه رسم «ل»، ثم مدت يدها إلى صدرها وتناولت الرسم منه وناولته لبديعة. وفيما هي تتأمل فيه قاطعتها جميلة الكلام قائلة: إنك ستعرفين سبب تركه لي وحبه لتلك الفتاة الجميلة بدون شك. ولكن عذري هو أنني قسته على نفسي إذ وثقت بعقله وأنه يفضل جمال النفس على جمال الجسد، ولكن بعدما وقع كل شيء تحققت فساد ظني، وعلمت بأنه لا شيء كالمساواة كفيلا للسعادة إلا ما ندر، والنوادر لا يقاس عليها.
فازداد إعجاب بديعة برفيقتها، وكيف أنها نطقت بجنانها بهذه الكلمات: «حيث لا مساواة لا حب على الأغلب.» وكان جواب بديعة على هذا الكلام أن قبلت الفتاة بحرارة زائدة، وقالت لها: هل لك أن تضعي ثقتك بي وتتخذيني لك أختا في الحياة لأكون لك مساعدة على مداناة الحياة السعيدة!
فقالت جميلة: كيف لا يكون هذا وقلبي قد تعلق بحبك، وأنا شديدة الوثوق بأنك سوف لا تخونينني لأن الجمال لا يهمك ... قالت هذا وابتسمت لأول مرة ربما من حين مفارقتها بيتها.
Shafi da ba'a sani ba