وفي رواية : أن اليهود والمجوس كانوا يبالغون في التباعد عن المرأة حال حيضها ، والنصارى كانوا يجامعوهن ولا يبالون بالحيض وأن أهل الجاهلية كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤآكلوها ولم يشاربوها ولم يجالسوها على فراش ، ولم يساكنوها في بيت كفعل اليهود والمجوس ، فلما نزلت هذه الآية أخذ المسلمون بظاهر الآية فأخرجوهن من بيوتهن ، فقال أناس من الأعراب : البرد شديد والثياب قليلة ، فإن آثرناهن بالثياب هلك سائر أهل البيت ، وإن آثرناها هلكت الحيض ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( إنما أمرتكم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ، ولم أمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم ) . فلما سمع اليهود ذلك قالوا : هذا الرجل يريد أن لا يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه ، ثم جاء عباد بن بشر وأسيد بن خضير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ، وقالا : يا رسول الله أفلا ننكح المحيض ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أنه غضب عليهما ، فقاما ، فجاءته هدية لبن ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهما فسقاهما ، فعلمنا أنه لم يغضب عليهما .
ففي الأمر بمخالطتهن في البيوت مخالفة لليهود والمجوس ، وفي الأمر باعتزال مجامعتهن مخالفة للنصارى ، فكان هذا الأمر وسطا بين الإفراط والتفريط ، وهو سبيل الملة الحنيفية ، والشريعة المحمدية ، وإنما قال الرجلان : أفلا ننكحهن في المحيض ؟ طلبا منهما لاستقصاء مخالفة اليهود حين رأوا أن ذلك يغيظهم ، وذهلوا أن فيه موافقة النصارى ، وكان مطلوب مخالفة الفريقين .
ومنها قوله تعالى : (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم )) ، فإنها نزلت بخلاف أمر اليهود في إتيان نسائهم .
Shafi 34