" كان قد جرى عليه التمحيص الذي أزعجه عن وطنه، إلى الدار البيضاء بالمغرب من إيالة بني مرين، فأفاده الحنكة والتجربة هذه اليسيرة التي وقف شيوخها على تحقيقها، وانتهجوا واضح طريقها، وبلغتنا منقولة بألسنة صدقهم، معبرًا عنها في عرف التخاطب بالعادة، فلم يكن الوزير الكيس، والرئيس الجهبذ يجريان من الاستقامة على قانون، ولا يطردان من الصواب على أسلوب، إلاّ بالمحافظة على ما رسم من القواعد، والمطابقة لمّا ثبت من العوائد، وكان ذوو نبل من هذه الطبقة، وأولو الحذق من أرباب هذه المهن السياسية، يتعجبون من صحة اختيارها لمّا رسم، وجوده تمييزه لمّا قعد، ويرون المفسدة بالخروج عنها ضربة لازب، وأنَّ الاستمرار على مراسمها آكد واجب؛ فيتحرونها بالالتزام كما تتحرى السنن، ويتوخونها بالإقامة كما تتوخى الفرائض، وسواء تبادر لهم معناها ففهموه، أو خفي عليهم وجه رسمها فجهلوه ".
حدثني شيخنا القاضي أبو العباس أحمد بن أبي القاسم الحسني: أنَّ الرئيس أبا عبد الله بن زمرك دخل على الشيخ ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الخطيب يستأذنه في جملة مسائل، مما يتوقف عادة على إذن الوزير، وكان معظمها فيما يرجع إلى مصلحة الرئيس أبي عبد الله. قال الشريف: فأمضاها كلها له، ما عدا واحدة منها تضمنت نقص عادة مستمرة، فقال له ذو الوزارتين
1 / 59