قالت النملة: افتخاري، بادخاري؛ قالت العصفورة: توسلي، بتوكلي؛ قالت النملة: أعتمد على الحب؛ قالت العصفورة: أتوكل على الرب. فلما جن الليل، اقبل السيل؛ فخرجت النملة بالعوم، وبقيت الحبوب بين الدوم؛ فنزلت العصفورة وسجدت، والتقطت من مدخر النملة كل ما وجدت؛ وقالت: خسر المحتكر، وربح طالب الرزق المبتكر، الكريم لا يفتخر بما يدخر.
وصح عندي أنَّ الوزير أعزه الله ليس عنده في هذا كله كلام ولا قول وأنَّ الأمر عنده مفروض إلى الرب الذي له القوة والحول. وسمعت يا سيدتي أنَّ هذا السقم، أعظم تأثيره إنّما هو في قطع الأكباد، من صغار الأولاد؛ الذين من فوق السبع ودون العشر، وهم في هذه السنين رياحين القلوب العاطرة النشر؛ وهذا إلى كتبي لك اعظم داع، فإنَّ الأولاد سوائم والوالد راع؛ والراعي لا يترك غنمه في الطريق سبع ضار، ولا قريبًا من حريق نار؛ ومحن نشاهد الطير ينقل أفراخه من وكر إلى وكر، ويسترها بملتف الشجر إذا خاف عليها عادية جارح أو صاحب مكر؛ فكيف لا نقتدي في تأمين روعتنا بمن تقدم من الأكابر، ونقف في حامل السيل بأولادنا الأصاغر؛ فما عندك في هذا كله من القول ومن الجواب؟ وما يظهر لك من وجه الرأي والصواب؟ اكتبي بذلك كتابًا اعتمد عليه، وأستند إليه؛ وقبلي عني يد مولانا تقبيلا، ويا ليتني وجدت إلى ذلك سبيلا؛ وأخبريه أني في خدمته على نيتي الأولى، عاكفة على شكر منته الطولى؛ أدام الله حياطة البلاد والنفوس بحفظه وحياطته؛ وأسمعني البشارة