فالتفتتا نحوه باحتجاج، ولكن منظره المتميز لم يخل من أثر مسكن فاكتفت فتاته بأن قالت: ما شأنك أنت؟! هل شكونا إليك؟!
فسر جبل بخطابها وقال معتذرا: أردت أن أقول إن الرجل أقدر على اقتحام زحام المولد! - هذا عملنا، وله عمل أشق.
فتساءل مبتسما: ماذا يعمل أبوك؟ - هذا ليس من شأنك.
وقام جبل غير مبال بالأعين المحدقة حوله، حتى وقف أمامهما وقال بأدب: سأملأ لكما الصفيحتين.
فقالت جاذبته وهي تدير عنه وجهها: لسنا في حاجة إليك!
ولكن القصيرة قالت بجرأة: افعل ولك الشكر.
وقامت وهي تشد الأخرى لتقوم معها فتناول جبل الصفيحتين من مقبضيهما، وسار بجسمه القوي، يشق الزحام، ويرتطم بالرجال، ويلاقي الجهد، حتى بلغ الحنفية التي يجلس وراءها الساقي في كشكه الخشبي، فنقده مليمين، وملأ الصفيحتين وعاد بهما نحو موقف الفتاتين. وأزعجه أن يجد الفتاتين مشتبكتين مع بعض الشبان في معركة كلامية بسبب معاكستهم لهما، فوضع الصفيحتين على الأرض، وتصدى للشبان مهددا. وتحرش به أحدهم ولكنه صرعه بضربة في صدره فتجمع الشبان للهجوم عليه وهم يسبونه، غير أن صوتا غريبا صاح بهم: اذهبوا يا شين الرجال.
اتجهت الأبصار نحو رجل كهل، قصير مدمج الجسم، براق العينين، يشد جلبابه على وسطه بحزام فهتفوا خجلين: «المعلم البلقيطي؟!» وسرعان ما تفرقوا وهم يرمقون جبل بحنق. ولاذت الفتاتان بالرجل والقصيرة تقول: اليوم عسير بسبب المولد وهؤلاء الأوغاد.
فقال البلقيطي يجيبها وهو يتفحص جبل: تذكرت المولد لتأخيركما فجئت، جئت في الوقت المناسب.
ثم خاطب جبل قائلا: وأنت من أهل الشهامة، وما أندرهم في أيامنا!
Shafi da ba'a sani ba