فابتسم جبل ابتسامة ذاهلة وقال: إنها المصادفة وحدها التي انتشلتني منه.
ومضى يبتعد عن البيت وصوت البواب يحذره في حسرة من التعرض لغضب الفتوات.
وامتدت أمام عينيه الحارة بأتربتها ودوابها وقططها وغلمانها وجحورها. أدرك مدى الانقلاب الذي جرى على حياته، ما ينتظره من متاعب، وما خسره من نعيم. لكن غضبه غطى على آلامه فبدا وكأنه لا يبالي بالأزهار والعصافير والأمومة الحانية. ومر في سبيله بالفتوة حمودة، فقال هذا بسخرية ملساء: ليتك تعيرنا قوتك لنؤدب بها آل حمدان.
فلم يعره التفاتا وقصد ربعا كبيرا من ربوع آل حمدان وطرقه. وإذا بحمودة يلحق به ويسأله في دهشة واستنكار: ماذا تريد؟
فأجابه في هدوء: إني أعود إلى أهلي.
وارتسمت الدهشة في عيني حمودة الضيقتين وبدا أنه لا يصدق ما سمع. ورآهما زقلط وهو يغادر بيت الناظر متجها نحو مسكنه فصاح بحمودة: دعه يدخل، وإذا خرج بعد ذلك ادفنه حيا.
فزايلت حمودة دهشته وابتسم ابتسامة بلهاء متشفية. ومضى جبل يطرق الباب حتى فتحت نوافذ الربع والربوع الملاصقة، وأطلت رءوس كثيرة من بينها حمدان وعتريس وضلمة وعلي فوانيس وعبدون ورضوان الشاعر وتمر حنة، وتساءل ضلمة ساخرا: ماذا تريد يا ابن الأكابر؟
وسأله حمدان: معنا أم علينا؟
فصاح حمودة: طردوه فعاد إلى أصله القذر!
فتساءل حمدان بلهفة: طردوك حقا؟!
Shafi da ba'a sani ba