فتأثر جبل حتى انحنى رأسه، ودفعه شعور مرهف إلى أن ينظر نحو زقلط فرآه يبتسم ابتسامة شماتة كريهة فانطبقت شفتاه في حنق، ثم قال في أسى: لا خيار لي، ولن أنسى صنيعك معي ما حييت.
فحدجه الأفندي بنظرة قاسية وسأله: يجب أن أعرف إن كنت معنا أم علينا؟
فقال جبل بحزن وهو يشعر بأنه في النزع الأخير من حياته الراهنة: ما أنا إلا ربيب نعمتك فلا يمكن أن أكون عليك، ولكن من العار أن أترك أهلي يبادون وأنا أنعم بظلك.
وقالت هدى وهي تتلوى من انفعال الأزمة التي تهدد أمومتها: يا معلم زقلط فلنؤجل الحديث إلى وقت آخر.
فقطب زقلط كأنما ركب على وجهه حافر بغل، ونقل عينيه بين الأفندي وزوجه ثم تمتم: لا أدري ماذا يحدث غدا في الحارة!
فتجنب الأفندي النظر إلى هدى وتساءل: أجبني يا جبل أأنت معنا أم علينا؟
وتمادت موجة الغضب به حتى بلغت قمة رأسه فهتف دون أن ينتظر الجواب: فإما أن تبقى معنا كواحد منا، وإما أن تذهب إلى أهلك؟
وثار جبل ، وبخاصة وهو يلحظ أثر هذا القول في صفحة وجه زقلط فقال بعزم: يا سيدي إنك تطردني، وإني ذاهب.
وهتفت هدى بصوت معذب: جبل!
وهتف زقلط ساخرا: أمامكم الرجل كما ولدته أمه.
Shafi da ba'a sani ba