التأليف والنشر في مصر
حدثني بعض الأصدقاء أن أحد أصحاب المعالي ووزراء الدولة في الحكومة القائمة، دعا إليه جماعة من الكتاب، وحدثهم في تنشيط التأليف في مصر ومكافأة المؤلفين، ووعد في هذا وعودا حسنة إلخ.
وهذا رأي محمود نرجو أن يتلوه العمل، فيؤتي ثمراته بعد حين، وهذه فرصة أنتهزها للتنبيه إلى أمر طالما أهم المفكرين من قراء العربية في الشرق والغرب، وطالما ترددت منه الشكوى، وأخذت به مصر قبل الأقطار الأخرى، ذلكم أمر النشر، نشر الكتب القديمة والحديثة التي مات مؤلفوها، فهو أمر تتحكم فيه الفوضى، يستطيع الواحد من تجار الكتب أن يعمد إلى كتاب من الأمهات في الأدب أو في التاريخ أو غيرهما، ويعهد به إلى من يصححه ويقدمه للطبع، وحسب هذا المصحح أن يستطيع قراءة الكتاب قراءة يتصرف فيها خياله وحظه القليل من العلم، ونشاطه الذي تحده المكافأة القليلة التي ينالها من الناشر، ووجدانه الذي لا يحفل بالأمانة العلمية كثيرا.
وأحيانا يتصدى لنشر الكتب بعض العارفين بأساليب النشر الحديثة، فيعهد في تصحيحه إلى بعض الأسماء النابهة، ويتخذ من وسائل الترويج ما يشاء له طمعه في الربح والصيت، فيستبشر الأدباء ويرجون خيرا، ويتربصون على قلق حتى يظهر الكتاب، فيكبوا على قراءته، فإذا الأمر لا يعدو ما ألفوه من طرق النشر التي لا تصوب غلطا، ولا تزيل شكا، ولا تنال طمأنينة القارئ. لا يعوز الباحث أن يتابع الأدلة من الكتب المشوهة، أو الكتب التي بذل في تصحيحها جهد قليل قصر بها دون الغاية.
نشر بعض الناشرين كتابا قديما في الفرق الإسلامية، فمر على أغلاطه لم يعرض لها، وحرف بعض عبارات ظنها غلطا وهي صواب، وحسبي أن أذكر من فعلاته هذه الواحدة:
ذكر المؤلف رجلا فنسبه إلى قبيلة، وقال: إنه «من ثور همدان»؛ أي قبيلة ثور إحدى قبائل همدان، لا قبيلة ثور الأخرى إحدى قبائل مضر، فحرف الناشر الكلمة إلى «ثغور همذان»، وامتن على القراء في الحاشية بأنه أدرك الحق في هذه الجملة المحرفة!
وأذكر أن ناشرا عمد إلى ترجمة كتاب «كلستان» للشيخ سعدي الشيرازي، الشاعر الفارسي العظيم، فطبعه وكتب على صفحة العنوان: «كتاب جلستان، بقلم العلامة جلستان الفارسي».
وليس العهد بعيدا بكتاب «معجم الأدباء» وما أهمل من غلطاته، وحرف من عباراته، وزيد عليه من شرح يتجلى فيه الخطأ والفضول، وقد أخرج للناس في موكب من التشهير والترويج، وهو في الحق حري أن يكون عيبا لمن أخرجه، وعارا على وزارة المعارف التي احتملت التبعة فيه، فكتبت على صفحة العنوان: «راجعته وزارة المعارف».
وكنت كتبت خمس مقالات في نقض الجزأين الأول والثاني، ثم وعدت القارئ أن أعود إلى النقض بعد أن تطبع الأجزاء الأخرى؛ لأبين أهي خير من هذين الجزأين أم مثلهما؟! ولعلي أفي للقراء بهذا الوعد بعد هذا المطال الطويل.
بل كتب الأدب التي بأيدي الطلاب في مدارس الوزارة فيها كثير من الغلط، وإذا وقع الغلط والتحريف في مثل هذه الكتب، فماذا يرجى من الكتب السوقية التي يتولى نشرها تجار أكبر هممهم النفقة القليلة والربح الكثير؟
Shafi da ba'a sani ba