وهؤلاء الأباة الأحرار والعقلاء الأخيار يجدون في تاريخهم ما يهون عليهم الخطوب، ويذلل لهم الأهوال، ويعصمهم أن يضلوا، ويربأ بهم أن يستكينوا ويذلوا؛ فما تزال تتنزل عليهم من هذا التاريخ العزة والإباء والكرامة، والثبات في الحق، والجهاد في الخير، والتكبر على الأهواء، والتنزه عن الدنايا. ما يزال تاريخ الإسلام يوحي إليهم العظمة بالحق، والسيطرة بالصدق، والصبر لكل نازلة، والظفر بعد الصبر، والعدل بعد الظفر.
ما يزال تاريخ الإسلام يجلو العزائم كلما صدئت عليها المصائب، ويضيء الآمال كلما دجت عليها الكوارث، ويحرر النفوس كلما همت الرغبة والرهبة أن تستذلها. ولولا هذا الوحي المستمر من هذا التاريخ المجيد ما استطاع مسلم أن يثبت في هذه الفتن، ويصبر على هذه المحن، ويرى الصبح في أعقاب هذا الليل، والظفر وراء هذه النكبات.
وإن الهجرة - هجرة الرسول
صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة - لميلاد عصر جديد عز فيه الحق وغلب الخير، وسيطرت الحرية، وخلص الإنسان من سلطان الضلال، وتحكم الباطل، وذل العبودية لسادته وأهوائه وشهواته.
إن الهجرة لمبدأ تاريخ عرفت فيه الإنسانية من معاني الحق والخير والحرية ما لم تعرف في غير هذا التاريخ. وما يزال هذا التاريخ علما مرفوعا للفضائل والخيرات تنحاز إليه في عصور الرذيلة والشر، ما يزال علما مرفوعا للأخوة في أزمان يتناحر فيها البشر في كل حين، وتقتتل الأمم في كل بقعة، والمذاهب في كل أمة، والفكر في كل نفس.
فيا أيها المسلمون لا يهولنكم ما يحيط بكم، واتخذوا من الهجرة عيدا يلد في كل نفس معاني من العزة والحرية تثبت بها في هذا الجهاد، ومعاني من الحق والصدق تعيش بها على هذه الأرض، ومعاني من الخير والبر يسعد بها الناس. استوحوا الهجرة كل معنى كريم يؤهل للحياة الكريمة، وكل خلق فاضل ينشئ الأمة الفاضلة، وكل خلق يجعل الإنسان إنسانا حرا، عزيزا، برا، خيرا، لا عبدا ذليلا ولا وحشا مفترسا.
ألا إنكم أولى بالحق والخير، والمجد والكرامة، وأجدر بحمل أمانة الإسلام، وتبليغ رسالة محمد؛ فافعلوا وإلا فلستم أهلا للانتساب إلى الإسلام دين الحق، ومحمد نبي الإنسانية.
الإسلام
بعد 1355 سنة
Shafi da ba'a sani ba