182

وقد عجبت لبعض الكتاب المعروفين بالغيرة على الأخلاق، والتنديد بالخلاعة والمجون، وبدع العصر الحاضر، إذ رأيت المجلة التي يشرف عليها تنشر من الصور والكلام ما لا يلائم آراءه، ويوافق مواعظه.

3

قال صديقي، والشيء بالشيء يذكر: وملكات الجمال ما ترى فيهن؟ لقد سرت البدعة إلينا، قلت: استمع؛ كنت في الصيف الماضي ذاهبا إلى إيران، فعرجت على لبنان أياما، وبينا أنا في «ظهور الشوير» رأيت الناس يزدحمون ويستبقون إلى بعض الفنادق، وسمعت أن هذه الجموع وتلك الوفود تتزاحم لتشهد اختيار ملكة الجمال في لبنان، قال رفيق لي: قد سرت العدوى إلى البلاد العربية، فقلت غاضبا: كلا، قال: ألست ترى وتسمع؟ قلت: لا أكذبك، لست أرى في هذه الأزياء ولا أسمع في هذه الرطانات عروبة، فلا تعد هؤلاء من العرب، وأرضيت نفسي بهذا الإنكار.

وقرأت منذ أيام أن ناسا اجتمعوا في «حمانا» من لبنان لاختيار امرأة يسمونها ملكة الجمال، وأن قنصل مصر ببيروت رأس هذا الجمع، فأسفت أن شغل القنصل الفاضل نفسه بهذه الترهات، وشارك في هذه المخازي.

وقرأت عن انتخاب آخر في «بكفيا»، وحمدت الله إذ لم أجد في هذه كله اسما يدل على عربية أو إسلام.

وقرأت من بعد في الجرائد عن حماقات كهذه في الإسكندرية، فرأيت الداعين إليها بين صاحب ملهى يريد أن يجذب الناس إليه، وصاحب جريدة غير عربية يبغي رواج جريدته، وأمثال هذين. وبعد قليل رأيت صورة الملكة، وقرأت أحاديث عنها، فعلمت أن فتاة سماها بعض الناس ملكة الجمال في مصر، ولقبوها مس إيجبت

Miss Egypt ، ورشحوها للذهاب إلى بروكسل لتشارك في مباراة الجمال، قلت: مس إيجبت لا تعرفها مصر، فما اهتمامك بجماعة من الحمقى أرادوا أن يشهروا فتاة، أو يشهروا بها، أو يتملقوا إليها، أو ينالوا مالا، أو يجاروا ساداتهم في أوروبا.

ثم تذكرت ما سطرت في أول هذا المقال، تذكرت أن زمام الأخلاق في هذا العصر بأيدي هذه الفئات وأشباهها، وأن هذا الذي نستنكره اليوم سيصبح إذا سكتنا عليه عادة تعد المجادلة فيها ضربا من الأفن، وفكرت أن مس إيجبت هذه ستذهب إلى أوروبا باسم مصر، وتشارك في سوق الرقيق هناك، وتبوء مصر بكل ما في ذلك من عار وحماقة، فرأيت أن الأمر جدير بالاهتمام، وأنه إن سكت عنه عقلاء الأمة صار سنة، وظن المفسدون كما تسول لهم مآربهم أنها سنة حسنة، ينبغي ألا تحرمها مدينة أو قرية. وقد وفدت على مصر من قبل ملكة الجمال في تركيا، فلم يستح بعض الوقحين من طلبة الجامعة أن يقترحوا الاحتفال بها في نادي الجامعة.

من مبلغ عنا هذه الفتاة، أنا لا نعرفها ولا نعرف جمالها ولا ملكها، وأن القحة البليغة أن تذهب إلى أوروبا مدعية أن مصر أرسلتها، ومصر بريئة منها وممن يرسلونها، ليت شعري أرضي المصريون - الحكومة والأمة - بهذه السبة؟ هل رضوا أن تنوب عنهم على رغم أنوفهم فتاة تذهب إلى بروكسل زاعمة أن مصر أرسلتها؟

كنت أحسب أن موقف مصر الحاضر بين دولة مستعبدة ودولة مهددة، سيخرج بطلا أو بطلة، تهيب بالمصريين ليغسلوا العار، ويحموا الديار، أو يرسلوا وفدا يدافع عن حقوق مصر عند عصبة الأمم، فإذا السفهاء في شغل عما يحيط بهم باختيار امرأة يرسلونها إلى بروكسل.

Shafi da ba'a sani ba