180

قال الفرزدق يعدد بيوتات بكر:

وبيت المثنى قاتل الفيل عنوة

ببابل إذ في فارس ملك بابل

ثم سار المثنى إلى أبي بكر ليخبره بجلية الأمر في العراق، فوافاه مريضا قد أشفى، فأوصى أبو بكر عمر، قال: «فإن أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى.»

سار الناس إلى العراق وأميرهم أبو عبيد الثقفي، فلما كانت موقعة الجسر التي زلزل فيها المسلمون، وقطع جسر الفرات وراءهم، فتهافتوا في الماء، وقف المثنى في أنجاد من العرب ينادي: «أيها الناس، إنا دونكم، فاعبروا على هينتكم، ولا تدهشوا، فإنا لن نزايل حتى نراكم في ذلك الجانب.»

وحمى المثنى الناس حتى عبروا، ثم خلق المثنى من الفلول المهزومة يوم الجسر نصرا باهرا في موقعة البويب، برأيه وسياسته وشجاعته، واحتسب فيها أخاه مسعودا، ثم تكاثر الفرس عليه، فكتب إلى عمر، فأمره أن يتنحى بالناس حتى يأتيه أمره، ثم أرسل عمر سعد بن أبي وقاص في حشد عظيم، وانحاز المثنى إلى ذي قار، وقدم سعد إلى زرود ينتظر المثنى، ولكن الأسد المرزأ، والمسعر المجرب، انتفضت به جراحات يوم الجسر، فبينما سعد يرجو مقدمه جاءته وصيته تحملها امرأته سلمى وأخوه المعنى.

عمل سعد بوصية المثنى، وأمر أخاه المعنى مكانه، ثم تزوج سلمى، وقد شهدت وقعة القادسية، فلما حمي الوطيس، واستكلب الموت على الأبطال، نظرت فلم تجد المثنى يقدم الأنجاد، ويقود الجلاد، فصاحت: «وا مثناه! ولا مثنى اليوم للخيل.»

مات المثنى، وشهد له التاريخ أنه «كان شهما شجاعا ميمون النقيبة، حسن الرأي، أبلى في حروب العراق بلاء لم يبله أحد.»

3

فيا شباب بغداد الذين أنشئوا نادي المثنى ليحيوا ذكره، اذكروا فيه الرجولة الكاملة، والشجاعة البالغة، والمجد والسؤدد، والعمل المخلد، اذكروه قائدا مقداما، وأميرا حازما، وسيدا مطاعا، وجنديا مطيعا، اذكروه حرا أبيا، ومثلا عربيا، وخلقا عليا ، واستمدوا من ذكراه وذكرى أمثاله أخلاقا صلبة، تقيكم رخاوة الحضارة، وعزيمة ماضية ترفعكم عن ذل الرفاهية، وتقتحم بكم الأهوال إلى الغاية البعيدة والأمل العظيم.

Shafi da ba'a sani ba