وحولت كنيسة القرية إلى هرء، فلما امتلأت بالحبوب، شعر أرشينوف بنشوة الظفر، وأخذ يفخر «بنجاحه»، ولم يدع فرصة تمر دون أن يوجه قوارص اللوم إلى تفتكوف، فكان يقول له: «انظر كيف أسير الأمور وتعلم، إن عيبك هو أنك لا تعرف الحزم «البلشفي».»
واقترب يوم رحيلنا، وأبلغنا أرشينوف أنه سيبقى خمسة أيام أخرى يراجع فيها أعماله للمرة الأخيرة، ولم يخالجني شك في أنه لم يتأخر عنا إلا ليجمع «أدلة» على تهم يوجهها إلي وإلى تفتكوف، وقضيت اليوم الأخير في المزرعة الجماعية أعد النقط التي سأضمنها تقريري الأخير.
وقلت لأعضاء اللجنة: «والآن وقد تم جمع المحصول أظن أن في وسعكم أن تقدروا ما تطلبون من أجر على جهودكم.»
فقال الرئيس وهو يهز رأسه في حسرة: «نعم، لقد قدرنا ثم قدرنا، فإذا التقدير لا يزيد على 1200م جرام (رطلين ونصف رطل) من الحبوب لكل مزارع منضم إلى المزرعة الجماعية عن كل يوم عمله فيها، وإذ كنا لم نعمل إلا جزءا من العام فإن ما يعطاه الفلاح من أجر على هذا العمل هو الذي سيقتات منه هو وأسرته سنة كاملة، أما كيف يوزع هذا القدر حتى يحين موعد الحصاد الثاني فعلمه عند الله، وقد يكون عند الحزب أيضا.»
وقال آخر في غضب مرير: «أظن أننا كلنا سنهلك جوعا.» وأكبر الظن أن الرجل لم يكن يقصد بقوله هذا معناه الحرفي، وإلا فكيف استطاع أن يحزر أن أهل قرية بدجردنوى سيهلكون كلهم من الجوع في العام المقبل؟ وكيف استطاع أن يحزر أن ولاة الأمور سيأخذون من الفلاحين بعض الحبوب التي حصلوا عليها نظير عملهم في جمع المحصول؟
وافترقنا نحن والقرويون افتراق الأصدقاء، وأظهروا حبهم الخالص لي ولتفتكوف، وأسف مضيفنا وأسرته أشد الأسف على فراقنا، وأحضر استيوبنكو في أثناء العشاء الأخير زجاجة من خمر الكرز، جاء بها من فناء الدار الخلفي، وعليها آثار التراب ظاهرة.
وقال لي: «لقد كنت أدخر هذه الزجاجة ليوم عيد هام، وقلت لنفسي: إن الناس سيشربون منها يوم أزوج ابنتي أو بعد أن أموت ثم يترحمون علي، ولكني رأيت أن سفركم خليق بأن يقدم لكم فيه أحسن ما عندي، فلنشرب إذن نخب صحتكم، وندعو الله أن ينجي بلادنا البائسة المعذبة.»
وأخذنا بعد العشاء نغني أغنيات أوكرانية قديمة، وحل الشراب القوي عقدة لسان زوجة استيوبنكو فأخذت تقص علينا أقاصيص فيها حنين لوطنها عن خيول خرافية، وتقصها بنفس الألفاظ التي سمعتها من جدتها.
ولما عدت إلى دنيبروبترفسك بدا لي أن اللجنة الإقليمية راضية عن عملي، ولكنني لم أستطع أن أثير اهتمام أي إنسان بتقريري عن أرشينوف، فقد كانوا يقولون لي: إنهم يعلمون أن فيه عيوبا، ومن من الناس لا عيب فيه؟ ولكن أحدا لا ينكر عليه أنه يحصل من عمله على نتائج طيبة! وأرسلت رسالة إلى جريدة برفدا في موسكو عن حادث وحشي يسوئ سمعة الحزب في القرى، ولكن الرسالة لم تنشر ولم أتلق عنها ردا.
وكان من نتائج ما قضيته في القرية من وقت طويل أن تأخرت في دراستي، وأردت أن أعوض ما فاتني، فبذلت في هذه الدراسة غاية جهدي، وكلما شغلت نفسي بكتبي الفنية قل ما لدي من الوقت الذي أقضيه في أفكاري المؤلمة وشكوكي، حتى أصبح العمل لدي مخدرا أتجرع منه جرعات كبيرة .
Shafi da ba'a sani ba