145

Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript

أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط

Mai Buga Littafi

عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري

Inda aka buga

https

Nau'ikan

أنَّ الذُّكر بالضم لا غير: الاسم والمصدر عند جميع أهل اللغة، وجعل بعضهم المصدر بالضم لا غير، والاسم بالضم والكسر.
فقوله: (إنَّ الذكر...) إلخ، هذا الفرق لبعضهم، والجمهور على أنهما سواء بالضم على أنَّ المصدر، وكذا اسم المصدر في المعنى سواء حقيقة.
وقوله: (وعلى تسليم...) إلخ، هذا اعتراف منه على أنه مصدر وأنه بالضم لا غير.
وقوله: (فما وجه إيراده...) إلخ لا يخفى عليك أن وجه إيراده تفسيره ذُكر بمعنى: تذكر، والفرق بينهما ظاهر، فإنه فسر المضموم بالمكسور، وكأنه اشتبه عليه أنه من باب الذُّكر بالضم، أو من باب الذِّكر بالكسر، فاعتمد الثاني، وفسر به، وهو غير صحيح.
وقوله: (فإنه لم يدَّعِ...) إلخ ممنوع، فإن تفسيره ذلك بـ (تذكر) دليل واضح على أنه قد ادعى أنه من المكسور لا من المضموم، فإنَّ ذلك قرينة على ما زعمه، وهو دائمًا يدعي في الكلام المجاز، ويستدل بقرائن الأحوال، وهنا لما لم يفهم القرينة من الكلام على ما ادعاه؛ فصح أنَّ ما فهمه صاحب «عمدة القاري» لم يفهمه غيره، بل خفي عليه، فقال ابن حجر ما قال، وتبعه العجلوني على هذا المقال؛ فافهم.
(في المسجد)؛ أي: حال كونه فيه، فالجار والمجرور حال، ويجوز أن يتعلق بـ (ذُكر)، والأول أظهر؛ فافهم، (أنَّه)؛ بفتح الهمزة وهي اسمها، وخبرها في محل نصب مفعول الذكر (جنب)؛ أي: ذكر الرجل أنَّ عليه جنابة، فالضمير في (أنه) عائد على الرجل المفهوم من (ذكر)؛ لأنَّ الذكر لا يكون إلا من ذي القلب؛ فافهم، وهو نائب فاعل.
قوله: (ذُكر) بالضم؛ فافهم.
وقوله: (يخرج)؛ بلفظ المضارع جواب (إذا)، وفي رواية: (خرج) بالماضي؛ يعني: أن حكمه أنه يخرج من المسجد على حالته، ولا يحتاج إلى التيمم، ولهذا قال: (كما هو)؛ أي: على هيئته وحالته جنبًا فورًا، وقوله: (ولا يتيمم)؛ أي: في المسجد توضيح وبيان لقوله: (كما هو)، كما في «عمدة القاري».
قلت: وأشار بهذا الرد لما نقل عن الثوري وإسحاق: أنَّه يجب عليه في هذه الصورة التيمم، وعن بعض المالكية: أنه إذا نام في المسجد فاحتلم؛ قالوا: يتيمم قبل أن يخرج منه.
قلت: ولا فائدة في هذا التيمم؛ لأنَّ الواجب الاغتسال بالماء أو التيمم عند عدمه، وفي المساجد الماء كثير، ومع وجود الماء لا يصح التيمم، فإن كان الجنب مسافرًا، وقد مر على المسجد وفيه ماء؛ يتيمم ويدخل المسجد فيستسقي، ثم يخرج الماء من المسجد ويغتسل؛ فليحفظ.
قال في «عمدة القاري»: وفي هذا وجوه من الإعراب:
الأول: أن تكون (ما (^١» موصولة، وهو مبتدأ وخبره محذوف؛ والتقدير: كالذي هو عليه من الجنابة.
الثاني: أن يكون (هو) خبرًا محذوف المبتدأ؛ والتقدير: أي كالذي هو هو، كما قيل في قوله تعالى: ﴿اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف: ١٣٨]؛ أي: كالذي هو لهم.
الثالث: أن تكون (ما) زائدة ملغاة، والكاف جارة، و(هو) ضمير مرفوع أنيب عن المجرور، كما في قولك: ما أنا كانت؛ والمعنى: يخرج في المستقبل مماثلًا لنفسه فيما مضى.
الرابع: أن تكون (ما) كافة، و(هو) مبتدأ محذوف الخبر؛ أي: عليه أو كائن.
الخامس: أن تكون (ما) كافة، و(هو) فاعل، والأصل يخرج كما كان، ثم حذفت كانت، فانفصل الضمير، وعلى هذا الوجه يجوز أن تكون (ما) مصدرية، انتهى.
وزعم الكرماني أنَّ (ما) موصولة أو موصوفة، و(هو) مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: كالأمر الذي هو عليه، أو كحالة هو عليها، ومثل هذه (الكاف) تسمى: كاف المقارنة؛ أي: خرج مقارنًا لأمر، أو لحالة هو عليها.
ورده صاحب «عمدة القاري» فقال في الأول: (قلت: على كل تقدير هذه الجملة محلها نصب على الحال من الضمير الذي في «يخرج»)، وقال على الثاني: (قلت: تسميته هذه الكاف كاف المقارنة تصرف منه واصطلاح، بل الكاف هنا للتشبيه على أصله، ونظير ذلك قولك لشخص: كن كما أنت عليه؛ والمعنى: على ما أنت عليه) انتهى.
وقد تبعه ابن حجر حيث قال: (فالتشبيه هنا ليس ممتنعًا؛ لأنَّه تعلق بحالتيه؛ أي: خرج في حالة شبيهة بحالته التي كان عليها قبل خروجه) انتهى.
قلت: وقوله: (فالتشبيه...) إلخ موافقة لصاحب «عمدة القاري» في اعتراضه على الكرماني، لكن قوله: (ليس ممتنعًا) فيه نظر، وكان حقه أن يقول: (فالتشبيه هنا واجب...) إلخ؛ لأنَّ المعنى عليه، كما لا يخفى.
وقال في «المغني»: تسمى مثل هذه الكاف: كاف المبادرة، وذلك إذا اتصلت بـ (ما)؛ نحو سلم كما تدخل. وصلِّ كما يدخل الوقت، ونقله عن ابن الخباز وغيره، وقال: (إنه غريب) انتهى.
قلت: وهذا اصطلاح منه، وقد تبرأ منه ابن هشام، وقال: (إنه غريب)؛ يعني: بل الكاف للتشبيه على الأصل، والمعنى سلم على الحالة الشبيهة (^٢) بحالة الدخول وصل على الحال الشبيهة بحالة دخول الوقت، فالتحقيق أن الكاف لا تخرج عن التشبيه، وتسميتها بالمبادرة أو غيرها اصطلاح، وتصرف، وتفنن في الألفاظ، وهو لا عبرة به لقوله: (وهو غريب)؛ أي: عند النحويين ضعيف لا يعتمد عليه؛ فافهم، وقد خبط العجلوني هنا فاجتنبه؛ فليحفظ.
[حديث: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قيامًا]
٢٧٥ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن محمَّد): هو الجعفي المسندي (قال: حدثنا عُثمان بن عُمر)؛ بضمِّ العين المهملة فيهما: هو ابن فارس أبو محمَّد البصري المتوفى سنة ثمان ومئتين، (قال: حدثنا يونس): هو ابن يزيد، (عن الزُّهري): هو محمَّد بن مسلم ابن شهاب، (عن أبي سَلَمَة)؛ بفتح السين المهملة واللام: هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، (عن أبي هريرة): هو عبد الرحمن بن صخر ﵁ (قال) أي: أبو هريرة: (أُقيمت)؛ بضمِّ الهمزة، فعل ماض مبني للمجهول؛ معناه: إذا نادى المؤذن بالإقامة، فأقيم المسبب مقام السبب، كذا قاله إمام الشارحين في «عمدة القاري»، وزعم الكرماني أنَّ المراد من الإقامة ذكر الألفاظ المخصوصة المشهورة المشعرة بالشروع في الصَّلاة وهي أخت الأذان.
قلت: ولا يخفى صحة الأول، وفساد الثاني؛ لأنَّ الإقامة اسم لهذه الألفاظ المعلومة، وأنَّ المؤذن نادى بصوته بها على أنَّ قوله: (ذكر...) إلخ ممنوع، فإنه ليس المراد ذكرها، بل النداء بها بصوت عال.
وقوله: (المشعرة) ممنوع، بل هي مشعرة بالقيام إلى الصَّلاة، كما لا يخفى (الصَّلاةُ) بالرفع نائب فاعل، وهي صلاة الفجر، (وعُدِّلتِ)؛ بضمِّ العين المهملة، وتشديد الدال المهملة؛ أي: سُوِّيت، وتعديل الشيء تقويمه، يقال: عدَّله فاعتدل؛ أي: قومه فاستقام، ومنه قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ [الانفطار: ٧]، وفي رواية: (فعُدِّلت)؛ بالفاء (الصفوفُ)؛ بالرفع نائب فاعل؛ أي: قبل أن يخرج إلينا رسول الله ﷺ، كما بينه المؤلف في (الصَّلاة) من رواية صالح بن كيسان: (أنه كان قبل أن يكبر النبيُّ الأعظم ﷺ (قيامًا) جمع قائم؛ كتِجار؛ بكسر الفوقية جمع: تاجر، ويجوز أن يكون مصدرًا جازمًا على حقيقته، وقال الكرماني: (هو تمييز أو مجهول على اسم الفاعل؛ فهو حال)، ورده صاحب «عمدة القاري»، فقال: (إذا كان لفظ «قيامًا» مصدرًا (^٣)؛ يكون منصوبًا على التمييز؛ لأنَّ قوله: «وعدلت الصفوف» فيه إيهام، فيفسره قوله: «قيامًا»؛ أي: من حيث القيام، وإذا كان جمعًا لـ «قائم»؛ يكون انتصابه على الحالية، وذو الحال محذوف، تقديره: وعدل القوم الصفوف حال كونهم قائمين) انتهى.
وما زعمه العجلوني معترضًا على القسطلاني ليس بشيء، كما لا يخفى.
(فخرج إلينا رسول الله ﷺ؛ أي: بعد أن أقيمت الصَّلاة وعدلت الصفوف، (فلما قام في مُصلَّاه)؛ بضمِّ الميم: وهو موضع صلاته؛ (ذُكر)؛ بضمِّ الذال المعجمة، قال في «عمدة القاري»: (من باب الذُّكر؛ بضمِّ الذال، وهو الذكر القلبي، فلا يحتاج إلى تفسير ذكر؛ بمعنى: تذكَّر، كما فسره به بعضهم) انتهى.
قلت: والمراد بهذا البعض ابن حجر، وتبعه العجلوني، فإنه قد خفي عليهما، فجعلاه (^٤) من باب (التفعُّل)، ولا يخفى فساده؛ لما قدمناه؛ فافهم؛ والمعنى: أنه ﵇ ذكر في قلبه قبل أن يشرع في الصَّلاة (أنَّه جنب)، وإنَّما

(^١) في الأصل: (ماء)، وليس بصحيح.
(^٢) في الأصل: (الشبية)، ولعله تحريف.
(^٣) في الأصل: (مصدر)، ولعل المثبت هو الصواب.
(^٤) في الأصل: (فجعلا)، ولعل المثبت هو الصواب.
علم أبو هريرة أنَّه جنب مع أن الذكر لا يطلع عليه أحد؛ لإعلامه ﵇ له بذلك؛ لما في رواية ابن ماجه: (قام إلى الصَّلاة) وفي آخره: «قال: إنِّي خرجت إليكم جنبًا، وإنِّي نسيت حتى قمت إلى الصَّلاة»، ومثله في رواية الدارقطني، إذا علمت هذا؛ تعلم فساد ما زعمه العجلوني حيث قال: «وفهم أبو هريرة لذلك بالقرائن أو إعلامه له بَعد» انتهى، فإن كلامه يفيد الظن والاحتمال لا القطع؛ فليحفظ.
(فقال)؛ أي: النبيُّ الأعظم ﷺ؛ أي: بلفظه حقيقة أو إشارته (لنا) معاشر الصحابة، وفي رواية الإسماعيلي: «فأشار بيده» (مكانكم)؛ بالنصب على الإغراء؛ أي: الزموا مكانكم، وجوز البرماوي أن يكون اسم فعل، والأول أظهر.
قال في «عمدة القاري»: إذا ثبت أنه تكلم بقوله: «مكانكم»؛ فالإشارة لماذا؟
وأجيب: بأنه يحتمل أنه جمع بين الكلام والإشارة، أو يكون الراوي روى أحدهما بالمعنى، انتهى.
واعترضه العجلوني فزعم أنه لو قال: إن ثبت؛ لكان مناسبًا، فإنه يحتمل أن يكون قول: «مكانكم» بالإشارة لا باللفظ، وجوابه بقوله: يحتمل... إلخ ليس فيه بيان حكمة الإشارة، ويمكن الجمع بينهما.
قلت: واعتراضه مردود عليه، فإن قوله: لو قال... إلخ؛ ممنوع بل تعبيره بـ (إذا ثبت) هو المناسب؛ لأنَّ (إذا) تدل على تحقُّق مدخولها غالبًا، ومنه قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ [المائدة: ٦]، و(إن) تدل على أنَّ مدخولها مشكوك فيه غالبًا، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا﴾ [المائدة: ٦]، وههنا القول محقق؛ لأنَّه ثابت في الصحيح محقق الوجود والوقوع بخلاف (إن)، فإنها ليست كذلك، ألا ترى أنَّ الصَّلاة محققة الوجود، وأنَّ الجنابة قد لا توجد أصلًا؛ فليحفظ، فإنه قد خفي هذا على هذا القائل، كما لا يخفى.
وقوله: فإنه يحتمل... إلخ ممنوع، وهذا الاحتمال باطل؛ لأنَّ قوله: (فقال: مكانكم) يدل على أنَّه باللفظ قطعًا لا بالإشارة، وهو ظاهر، كما لا يخفى.
وقوله: وجوابه... إلخ ممنوع، فإن قوله: (إنَّه جمع بين الكلام والإشارة) يفيد أنه ﵇ لما قام في مكانه وذكر أنه جنب؛ التفت وقال لهم: (مكانكم)؛ باللفظ، ثم لما مشى عن مكانه؛ أشار لباقي القوم الذين لم يسمعوا اللفظ، فأشار إليهم، فهذا الجمع بين الكلام والإشارة هو بيان حكمة الإشارة، ولم يجنح إلى هذا (^١) العجلوني، فقال: ويمكن الجمع بينهما، فرجع إلى ما قاله إمام الشارحين، والمعترض حقه أن يأتي بجواب سالم عن ذلك؛ فافهم.
وزعم ابن حجر أنَّ فيه إطلاق القول على الفعل، بل القول على حاله، ورواية الإسماعيلي لا تستلزم ذلك؛ لاحتمال الجمع بين الكلام والإشارة، انتهى.
ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: إذا كان القول على بابه؛ فيكون واقعًا في الصَّلاة، كما ثبت في الصحيح، انتهى.
قلت: قد علمت ما قدمناه؛ فافهم.
(ثم رجع)؛ أي: النبيُّ الأعظم ﷺ إلى حجرته الشريفة، (فاغتسل)؛ أي: من الجنابة، (ثم خرج إلينا) معشر الصحابة ﵃، والظاهر أن التراخي هنا وفي قوله: (ثم رجع) مرادٌ على بابه، واستظهر العجلوني أنه مراد هنا بخلافه في (ثم رجع).
قلت: وهو غير ظاهر؛ لأنَّه لا بد من وجود مهلة بين قوله: «مكانكم» ورجوعه ولو وقفة خفيفة؛ لأجل إعلامهم بأنه يعود إلى الصَّلاة حتى لا يذهب منهم أحد، فالتراخي في كلٍّ منهما مراد؛ فافهم.
(ورأسه يقطر)؛ أي: من ماء الغُسل، ونسبة القطر إلى الرأس مجاز من قبيل ذكر المحل وإردة الحال، والجملة اسمية وقعت حالًا على أصلها بالواو كذا قاله في «عمدة القاري».
وزعم العجلوني أنَّ نسبة القطر إلى الرأس من المجاورة؛ لأنَّ الذي يقطر الماء) انتهى.
قلت: وهذا ليس بمجاورة؛ لأنَّها قرب الشيء من الشيء، وهنا استعمال الماء في الرأس وهو ليس من المجاورة، بل من إطلاق المحل وإرادة الحال، فهو مجاز؛ فافهم، والله أعلم.
(فكبر)؛ أي: لصلاة الفجر، قال صاحب «عمدة القاري»: (فإن قلت: هل اقتصر على الإقامة الأولى أو إنشاء إقامة ثانية؟ قلت: لم يصح فيه نقل، ولو فعله؛ لنقل) انتهى.
قلت: أفاد كلامه أنه اقتصر على الإقامة الأولى وهو الظاهر، ويدل له أن (الفاء) للتعقيب، ولأن تكرار الإقامة غير مشروع وهو حجة لمذهب الإمام الأعظم والجمهور في جواز الفصل بينهما، سواء كان لمصلحة الصَّلاة أم لا، طال أم لا، ومثله الفعل بشرط كونه من مصالحها.
قال في «الفتاوى القنية»: (ولو صلى السنة بعد الإقامة أو حضر الإمام بعدها بساعة؛ لا يعيدها)، ومثله في «الفتاوى البزازية» كما في «منح الغفار» لما رواه المؤلف عن أنس في (الصَّلاة) قال: (أقيمت الصَّلاة، فعرض للنبيِّ ﷺ رجل فحبسه بعد ما أقيمت الصَّلاة)، زاد هشام في روايته: (حتى نعس بعض القوم)، فهذا يدل على أنَّ الفصل بينهما ولو طويلًا؛ جائز، خلافًا لمن قيده بالقصير، فإنه لا دليل يدل عليه، وحديث الباب يرد عليه؛ لأنَّ الاشتغال بالغُسل من الفصل الطويل، كما لا يخفى.
قال الإمام الشُّمنِّي: (وفي هذا رد على من قال: إذا قال المؤذن: «قد قامت الصَّلاة»؛ وجب على الإمام تكبير الإحرام)؛ يعني: أنَّه لا يجوز الفصل بينهما، وتأولوا الحديث بأن معناه: كبر بعد رعاية وظائف الصَّلاة؛ كالإقامة، أو يؤول أقيمت أولًا بغير الإقامة الاصطلاحية.
قلت: وهذا كله خروج عن الظاهر، ومكابرة، فأي دليل دل على أنه أتى بها ثانيًا؟ وأي دليل على أن الأولى كانت بغير الاصطلاحية؟ بل الدليل الظاهر على أنه لم يأت بها ثانيًا، ولو أتى بها؛ لنقل عنه، فعدم النقل عنه دليل على عدم الإتيان بها؛ لأنَّ الأصل بقاء ما كان على ما كان، والتأويل الثاني أبعد من الأول؛ لأنَّ الإقامة لغة واصطلاحًا وعرفًا اسم لهذه الألفاظ المشهورة، فكيف تذكر ويراد غيرها؟! وما هو إلا مكابرة؛ لأنَّها لم تأت بمعنى غير هذا، كما لا يخفى على أولي الألباب؛ فافهم.
وفي قوله: (فلما قام في مصلاه...) إلخ دليل على أنه لم يدخل في الصَّلاة، وأصرح منه ما في رواية المؤلف (قبل أن يكبر).
قال في «عمدة القاري»: (فإن قلت: في رواية ابن ماجه: (قام إلى الصَّلاة وكبَّر، ثم أشار إليهم فمكثوا، ثم انطلق فاغتسل، وكان رأسه يقطر ماء فصلى بهم، فلما انصرف؛ قال: «إني خرجت إليكم جنبًا وإني نسيت حتى قمت إلى الصَّلاة»).
وفي رواية للدارقطني من حديث أنس: (دخل في الصَّلاة فكبَّر وكبَّرنا معه، ثم أشار إليهم فمكثوا، ثم انطلق فاغتسل وكان رأسه يقطر ماءً فصلى بهم، فلما انصرف؛ قال: «إني خرجت إليكم جنبًا وإني نسيت حتى قمت إلى الصَّلاة»)، وفي رواية للدارقطني من حديث أنس: (دخل في الصَّلاة فكبر وكبرنا معه، ثم أشار إلى القوم كما أنتم).
وفي رواية لأحمد من حديث عليٍّ: (كان قائمًا فصلى بهم إذا انصرف).
وفي رواية لأبي ذر من حديث أبي بكرة: (دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده: أن مكانكم).
وفي أخرى: (ثم جاء رأسه يقطر فصلى بهم).
وفي أخرى له مرسلة: (فكبَّر، ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا).
وفي مرسل ابن سيرين، وعطاء، والربيع، عن أنس: (كبر، ثم أومأ إلى القوم: أن اجلسوا).
قلت: هذا كلام لا يقاوم الذي في «الصحيح»، وأيضًا في حديث أبي هريرة هذا: (ثم رجع فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر فكبر)، فلو كان كبر أولًا؛ لما كان يكبر ثانيًا على أنه اختلف في الجمع بين هذه الروايات، فقيل: أريد بقوله: (كبر)؛ أراد أن يكبر عملًا برواية «الصحيح»: (قبل أن يكبر).
وفي رواية أخرى للبخاري: (فانتظرنا تكبيره)، وقيل: إنهما قضيتان أبداه القرطبي احتمالًا، واستظهره النووي، وأبداه ابن حبان في «صحيحه»، فقال: (بعد أن أخرج الروايتين من حديث أبي هريرة: هذان فعلان في

(^١) في الأصل: (هذا إلى)، ولعل المثبت هو الصواب.

1 / 145