235

Articles from Dorar.net

مقالات موقع الدرر السنية

Mai Buga Littafi

موقع الدرر السنية dorar.net

Nau'ikan

نكوص الهداة
سعيد بن محمد آل ثابت
السبت ٤جمادى الآخرة ١٤٣٢هـ
منذ أن بزغ فجر الهدى، واستقر الدين في قلوب الموحدين، ولامس الإيمان شغاف القلوب، واطمأن في سويدائها، لم تزل هناك فرادى من الحيارى والتائهين الذين بدلوا وغيروا، وضلوا بعد أن هداهم الله - جل وعلا -، وقد تنامى هذا المعدل في زماننا هذا، حتى لقد سارت به ركبان المجالس العلمية وغير العلمية (ولا حتى المهتمة بشؤون الدعوة)، وحين نُطرق السمع لروايات المربين، والدعاة والمصلحين نجد أن هناك عددًا من القصص المزعجة جراء النكوص والانتكاسة - نسأل الله الثبات -، وإن هذا الموضوع لم يُغفله ذوو الاختصاص حيث يُطرح بين الفينة والأخرى بالطرق والمفاهيم والأفكار مختلفة، ولكن لعلي في هذه العجالة أن أحاول إلقاء الضوء على الأسباب خلف هذا السلوك من وجهات عصرية متعلقة بجوانب لعلها تناسب زماننا هذا، ويكمن فيها - بإذن الله- العظة والحذر، وأعلم يقينًا أن الحاجة لكاتب الموضوع أولى من قارئه، ولو كنتُ مخيرًا لقدمت سكوتي وصمتي فالقضية جد حساسة لا يأمن فيها الفرد على ذاته، ولكن حسبي تبليغ دين الله، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربما ساهمنا في تثبيت أحدهم فيُشفِّعُه الله فينا يوم العرض والحساب.
أشكال الانتكاسة:
لاشك أن واقع الانتكاسة واقع مخيف - نعوذ بالله من الخذلان-، وأشكالها كثيرة، هذا إذا علمنا أن معظم المسلمين قد قرروا في أنفسهم هذا الطريق لأسباب عدة كموعظة سريعة، أو مناصحة صادقة، أو فقد قريب أو عزيز، وسرعان ما يعود إلى طريقه السابق لظروف متعددة، وربما يكون عدم احتضانه في بيئة جيدة، أو هو لم يستظل بظلال صحبة معينة ساهمت في كثير من ذلك، ولا غرو أن من الظواهر المقيتة في هذا الشأن حين ترى جماعة من الإعلاميين والكتاب والصحفيين كانوا مهتدين بل وحتى دعاة، وسرعان ما تغيرت الوجهة!
كل ذي لب يؤمن أن ذلك نذير خطر، غير أني سأحدد أشكال الانتكاسة في النفر الذين تمتعوا بطريق الهداية فترة من الزمن فعاشوها، وواكبوا أقران لهم هناك في البيئات الصالحة المصلحة، ثم بدلوا الحسنة سيئة. وأبدأ مستعينًا بالله:
أشكال الانتكاسة على نوعين:
الانتكاسة الفكرية: وهو يصيب فئة من الناس حيث تبدأ معتقداتهم بالاهتزاز أمام صراعات الأفكار التحررية، وهذا له صور عدة فهناك من ارتد عن دين الله، ومنهم من سلك العلمنة وتحييد الدين بعيدًا عن النشاط البشري والحياتي، ومنهم من ركب التنوير وسار يهذي به بعيدًا عن الحقائق، والفطرة الصحيحة، وبات مفتيًا متفرسًا في وقائع الأمة التي لو كانت في عهد عمر لجمع لها أهل بدر. وربما يورده للانحراف الكلي عن الدين القويم كما حدث في البعض، وهذا الشكل من الانتكاسة أشد ضررًا من التالي حيث يكون هذا قاضيًا على الخير والهدى في قلب الفرد، زاجًا به في متاهات ليس لها نهاية.
الانتكاسة السلوكية: وهذا ما يكون عادة ناشئ من هبوط الإيمان، أو خلل في التربية الذاتية والإيمانية، وربما كان له أسباب خارجية، وقد تظهر صوره في الفتور الدعوي، أو كون الملتزم يصبح لا هم له ولا نشاط؛ فينكفئ على نفسه وخاصته، وربما ذهبت آثار السمت والاستقامة ليساير عامة الناس ودهمائهم بعيدًا عن المسؤوليات والتبعات. وهذا النوع قد يعود صاحبه، حيث أنه لا يُصيب بالعادة إلا تغيرات سطحية في المفاهيم، وخلل في السلوك فبتوفيق الله ثم بالمناصحة، والعزم قد يعود صاحبه لأنه غالبًا ليس مقتنعًا تمامًا بما هو عليه.
الدوافع والأسباب:
أولًا: (الأسباب شخصية)

1 / 234