وصار فعل المحسوس والحس شيئا واحدا، إلا أنه فى حد آنيته ليس بشىء واحد. ومثال ذلك القرع والسمع بالفعل: فقد يكون سمع لسامع فلا يسمع، وقرع لذى قرع فلا يقرع. فاذا فعل الذى يمكنه القرع والسمع قرعا وسمعا، عند ذلك يصير السماع والقرع بالفعل معا. — وإن كانت الحركة والفعل والألم فى المؤلم والمفعول فبالاضطرار أن القرع والسمع بالفعل هما بالقوة فى حد الآنية؛ لأن فعل الفاعل وحركة المحرك إنما تنتهى إلى المفعول به، لذلك لم يكن المحرك مضطرا أن يتحرك. ففعل ذى القرع قرع، وفعل السميع سماع وإنصات: وذلك أن السمع على جهتين، والقرع على جهتين. وعلى هذا النحو يجرى القول فى سائر الحواس والمدركة بالحواس. وكما أن الفعل والانفعال إنما يكونان فى المفعول لا فى الفاعل، كذلك فعل الحس والمحسوس فى الحاس. إلا أن هذا الفعل فى بعض الأشياء مسمى، وفى بعض الأشياء ليس بمسمى. ففعل البصر يسمى نظرا، والفعل من اللون لا يسمى؛ وفعل حس الذوق يسمى ذوقا، ولا يسمى الذى يكون عن الكيموس. — فاذا كان فعل المحسوس والحاس فعلا واحدا، وليسا من جهة الآنية بشىء واحد، فبالاضطرار أن السماع والقرع والكيموس والذوق على هذا النحو قد يفسد ويحفظ معا 〈وكذلك سائر الحواس والمحسوسات. أما المحسوسات التى〉 حالها بالقوة فليست بمضطرة إلى هذا، وإن 〈الفسيولوجيين〉 القدماء الذين تكلموا به فى الأشياء الطبيعية لم يحسنوا فيما قالوا، وذلك أن الظن غلب عليهم فى أنه لا أبيض ولا أسود بغير بصر 〈ولا كيموس بغير ذوق〉. فهذا القول من جهة يصح ومن جهة لا يصح. وذلك أن الحس والمحسوس مقول على جهتين: أحدهما بالقوة، والآخر بالفعل، 〈ففى الأخيرة〉 يعرض ما قلنا، ولا يعرض ذلك لغيرها؛ وكان أولئك يقولون قولا كليا فيما لا يجوز عليه معنى الكلية.
وإن كان الاتفاق فى الأصوات صوتا، والصوت والسمع شيئان فى حال واحد، واتفاق الأصوات معنى من المعانى، فبالاضطرار أن السمع معنى. ولذلك صار كل مفرط من حاد وثقيل يفسد السمع، وكذلك المفرط من الكيموس يفسد المذاق، 〈و〉فى الألوان المفرط فى النور والأبيض جدا مفسد للبصر، وكذلك حال الشم كانت التى شديدة: إما فى الشدة من الحلاوة، وإما فى شدة من المرارة فذلك مفسد قوة الشم — وهذا دليل أن الحس معنى من المعانى. من أجل ذلك كانت المحسوسة لذيذة عند الحس، إذا دنت اليها 〈بعد أن كانت نقية〉 وليست مخالطة لغيرها: كالحامض، والحلو والمالح. والخلط فى الجملة 〈أكثر〉 اتفاقا 〈من الخفيف أو الثقيل〉؛ والحار والبارد عند اللمس كذلك. وأما الحس فهو المعنى، ومتى أفرطت هذه أفسدت به وأفسدته.
Shafi 66