فقد استبان واتضح مما قد قيل إنه لا يمكن النفس أن تكون تأليفا، ولا أن تتحرك حركة الدور، كما ذكرنا آنفا. — 〈أما〉 أن تتحرك بالعرض، وأن تحرك نفسها: كذلك أنها تتحرك فى الشىء الذى هى فيه، وذلك يتحرك بتحريكها إياه، 〈فهذا ممكن〉؛ وليس يمكنها أن تكون متحركة حركة المكان بغير هذه الجهة. — وأحق الأشياء بمن عانى فى المسالة بأمرها وتحريكها النظر فى أحوالها عن الحزن والفرح، والاقدام والتخوف، والغضب والتفكر، والادراك بالحس، فقد نراها فى جميع هذه الأحوال، وبهذه الأحوال لها حركة غير مدفوعة. ولذلك يظن الظان أن النفس تتحرك فى هذه الأحوال. وليس ذلك باضطرار. لأنه، وإن كان الحزن والفرح والتفكر ضربا من ضروب الحركات، وكل واحد منها بشىء متحرك، إلا أن المتحرك إذا حركته للنفس: فالغضب والخوف يكونان بنمو القلب وانخفاضه، والتفكر أيضا إما كهذين وإما شىء آخر، وبعض هذه الأعراض قد يكون بانتقال أشياء متحركة، وبعضها باستحالة وتغيير (فأما ما هى وكيف تكون — فذلك قول آخر)؛ وقول القائل إن النفس تغضب بمنزلة قول القائل إن النفس تنسج أو تبنى. وعسى أن يكون الأصلح ألا يقال إن النفس تفرح أو تتعلم أو تفكر، بل يقال: إن الانسان يفعل كل ذلك بالنفس، وليس ذلك لأن الحركة تصير اليها فتصير فيها، بل مرة تنتهى فتبلغها كمثل الحس الذى يؤدى اليها عن الأشياء، ومرة تكون الحركة منها إبتداء مثل التذكر للشىء: فانه يكون منها: فاما بقى فيها فلم ينفذ إلى غيرها، وإما أتى على حركات الحواس فغيرها. — فأما العقل فيشبه أن يكون سببا للنفس ثابتا غير فاسد. ولو فسد لعرض ذلك له فى وقت الكبر. وإنما يعرض العارض كمثل ما يعرض فى الحواس. ولو كان للشيخ الكبير السن بصر جديد لأبصر كمثل ما يبصر الشاب. فالكبر هو العلة. وليس ذلك لأن النفس ألمت ألما، بل إنما ألم الشىء الذى النفس فيه، كالذى ترى من حال الفكر والفهم فى أوقات الأمراض والسكر: فانهما يضعفان. وليس ذلك لفساد الشىء الذى داخل، فان ذلك لا يألم ولا يتغير. وليس التغير فى حد التفكر والود والبغضة أعراضا لذلك، بل إنما هى أعراض للشىء والحامل الذى فيه من الجهة التى يحمله. ولذلك إذا فسد الحامل لم تذكر النفس ولم تود، لأن هذه الأحوال ليست لها، وإنما هى لحاملها التابع الذى إذا فسد أفسدها، فأما العقل فيظهر أنه روحانى لا يألم.
Shafi 20