وقال وهب بن منبه: وكان مع نوح في السفينة ملكان، فلما قال الله ﷿ للسماء أقلعي ماءك وللأرض ابلعي ماءك قالا لنوح: ابعث طيرا يأتَيِك بخبر الأرض. فبعث نوح الغرابَ فوجد جيفة طفت على الماء فاحتبس عليها يأكل منها، فلما أبطأ بعث الحمامة فلم تلبث أن أقبلت ومعها ورقة فقال له الملكان: ارددها تأتيط بطين. فرجعت إلى المكان فوجَدَت في أعلى الجُوِديَّ مكانًا من الأرض كأرقعه ينْخَسِرُ عنه الماء مَرَّة ثم يطفو عليه. فأخذت منه طينًا فذهبت به إلى نوح. فقال الملكان: اعرف وَزْنَه، فإنه قد أتتك بميزان الأرض كلها، فاقسِمْه بين بَنِيكَ، وأقرع بينهم بالسهام، فمن يومئذ كانت السهام ومعرفة الميزان. فخرج سهم يافث فأخذ منها بكفه ما أخذ، ثم خرج سهم حام فأخذ بكفه ما أخذ، فكان ما بقي لسام. ثم وزن بعد ذلك ما أخذه يافث فوجده الربع وما أخذ حام فوجده الربع، وما بقي فوجده النصف. فقسم بينهم الأرض على تلك الطينة، فكان لحام ربُع الأرض من طَنْجةٌ إلى الإسكندرية إلى أرض اتينه إلى البحر الغربي إلى ما أحاط به النيل، إلى الاسندرية راجعا إلى أرض الحبشة إلى الهند إلى السند.
فصارت فيه ذرية القِبْط والحَبَش والسودان والبربر، وصارت ليافث من الإسندرية مع بحر الشام إلى ما هناك إلى القسطنطينية إلى الرُّومية إلى الأندلس إلى الصقالبة إلى الترك إلى يأجوج ومأجوج إلى مادون الجزيرة.
ذكر كنى بني نوح وأسمائهن
روى الكلبي: أن أسماء كنى بني نوح إذا كُتِبْنَ في زوايا بُرْج الحمام نمت الفراخُ وَسَلِمَت من الآفات، وقد جُرِّب ذلك فوجدوه كما قال. فاسم امرأة سام نحلب. واسم امرأة حام أدنو نشا، واسم امرأة يافث ردفيت.
قال وهب بِن مُنَبّه: وليست الروم كلها من ولد العيص ابن إسحاق، بل كانت الروم قَبْلَه وقَبْلَ إبراهيم، وهم اليونانيون، ومنهم الإسكندر، وحكماء اليونانيين، مثل بَطْلَيْمُوس، وأرِسْطَطَا ليس. وهم جرو يافث، ولكن تزّوج إليهم ولد العيص واختلطوا بهم، وكثر ولده إليهم، فُنُسِبُوا إليه. ومن اليونانيين جبابرتهم وأشرافهم إلى يومنا هذا. والله أعلم.
ذكر انتشار وَلَد قَحْطَان
قال: لما أُهْلٍكَت عادٌ وثَمُود ومن كان من تلك الأمم، ممن دخل تكذيبهم رسلهم وما رَدُّوا على الله ﷿ من النصيحة بالذي بَدَالَهُم فكانوا من ولد عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح، وولد لاوَذ بن إرم بن سام بن نوح، فانقرضوا إلا مَن كان بَقَي منهم مِمَّن ذكر الله من المؤمنين، وبقيتهم هود ﵇ ومن آمن معه من المؤمنين، وولده قحطان ومن آمن معه، وهم من ولد الخلود بن عاد، ومن بقية من بقى أيضا طَسْمٌ وجَدِيس، وكانت بلادهم اليَمَامة إلى البحرين، وثَبَت الملكُ من بعد عاد وثمود في قحطان بن هود وولده، وهو أبو اليمن كلها.
فوَلَدَ قحطانُ بن هود بن أخلود بن الخلود بن عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح يَعْرَبَ بنَ قحطان. وحَضَرَ مَوْتَ بن قحطان، وأسمه مُضَاض ابن قَحطان، واسم يعرب المرعث. ولما تَفرَّعت قبائلُ اليمن وجرهم ابن قحطان ويَعْرَب ممن تَكلّم بالعربية وسكنا اليمن، ثم سارت جُرَهم فنزلوا مكة، فكانوا بها إلى آخر ملوكهم بمكة الحارثِ بن مضاض الأصغر ابن عمرو بن مضاض الأكبر بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن ظالم بن هيّ بن بيّ بن جُرْهم بن قحطان بن هود وهو القائل حين خَرَج من مكة يَبْكي عليها، قال شعرا:
كأنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنُّ الحَجُونِ إلى الصَّفَاأنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّة سَامِرُ
بَلاَ نَحْنُ كُنَّا أهْلَهَا فأبَادَنَا ... صُرُوف اليالي والجدُودُ والعَوَاثِرُ
في شعر طويل ومن جرهم الأفعى بن الحُصَين بن غَم بن رُهم بن الحارث الجُرْهُمي، وهو أوّل من حكم بين العرب، وهو الذي حكم بين بني نزار ابن مَعَدّش بن عدنان حين اختلفوا في ميراث ابيهم، ولم يعرفوا وجه الصواب فيه ومن ولد الأفعى السيّد والعَاقِب اللذان قَدِما على رسول الله ﷺ في وَفْدِهِما. وكان سكان الطائف يومئذ بنُو عَبْد بن ضخم بن سام بن نُوح، وقد فَنُوا. وقيل إنهم كانوا وضعوا الكتاب العربي، ولهم يقول حادي الأزدي:
عبد بن صحم إذا نسبتهم ... بَيّض الوجُوهَ مخلصُ النسب
1 / 48