...وإلى جانب ذلك كان الجهل والاعتقاد بالخرافات سائدا بين عوام المسلمين. وكان التصوف منتشرا في أرجاء البلاد انتشارا عظيما. وظهر بينهم كثير من المشعوذين الذين وجدوا اهتماما وتأييدا من قبل الحكام. وانتشر تقديس الأشياخ والاعتقاد فيهم، وطلب النذور عند قبورهم، بل كانوا يسجدون لبعض تلك القبور ويطلبون المغفرة من أصحابها.(1) والتف غالبية الرعاع من الناس حول المتصوفة مثل أحمد البدوي (ت 675ه) وإبراهيم الدسوقي (ت 676ه) وغيرهما للتبرك بهم والاهتداء بسيرهم.
...وعلى النقيض من ذلك كان الحنابلة يرفعون لواء الإصلاح والتجديد وقمع البدع والخرافات، والعودة إلى نهج السلف والتمسك بهديهم. وعلى رأسهم الإمام الذهبي ورفاقه الذين سبق ذكرهم.
...في ذلك الجو السياسي والعلمي والفكري نشأ وترعرع الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي.
المبحث الثاني: حياته الشخصية والعلمية. وفيه سبعة مطالب:
المطلب الأول: اسمه ومولده ونشأته .
هو الإمام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي.
ولد في ربيع الآخر سنة 673ه بكفربطنا من غوطة دمشق، واهتم بدراسة القرآن بالقراآت العشرة وأتقنها قبل أن يبلغ العشرين من عمره. وعني بالحديث عناية فائقة، فسمع من جم غفير من المحدثين، ورحل داخل البلاد الشامية وخارجها، فسمع الحديث بدمشق، وبعلبك، وحمص، وحماه، وحلب، وطرابلس، ونابلس، والرملة، وبلبيس، والقاهرة، والإسكندرية، والقدس. وحج سنة 698ه فسمع من علماء الحجاز وغيرها.
Shafi 8