92

وكلكم عرفتم هذه المحرجات وتعرفونها وستعرفونها، فأنتم في غنى عن الإفاضة في سرد الأمثال والنوادر، وقد تذكركم نادرة واحدة بمئات من هذه الأمثال ...

حضرنا مجلسا كان فيه رجل وقور أعور بين العور، وفي الدار طفل في الثالثة من عمره، سليط اللسان، يكاد لا يدخل لسانه في فمه من فرط الثرثرة والفضول.

ووقف هذا الثرثار على باب الحجرة، ثم رأيناه يطيل النظر إلى الرجل الوقور الأعور، ثم اقترب منه وهو يضع إصبعه في فمه، ويرفع نظره إلى العين العوراء ...

قلنا: يا ساتر استر، إنه لن يسكت ولن يطول الانتظار حتى نسمعه قائلا شيئا، فما عسى أن يقول؟

وقبل أن نفرغ من هذا الخاطر رأيناه يصعد على ركبتي الرجل، ويمد يده إلى عينه العوراء، ويسأله كأنه يسأل عن ساعة أو سلسلة أو خاتم، أو حلية مما يثير الفضول: «لماذا أقفلت عينك هكذا؟»

تشاغلنا كأننا لا نسمع لعله يكتفي بسؤال واحد، فلا نلجئ الرجل ولا نلجئ أنفسنا إلى حرج.

ولكنه كأنما قد أقسم ليعرفن السر في تلك الحيلة المستغربة: حيلة هذا المشعوذ الذي يستطيع أن يقفل عينه، وكل من رآهم حوله لا يستطيعون.

فعاد يلح ويسأل: ألا تقول لي لماذا أقفلت هذه العين؟

فبطلت الحيلة، وأخذته أمه جذبا بإحدى ذراعيه، وخرجت وهي تختنق كما نختنق نحن من الحرج المضحك أو من الضحك المحرج، وهو مع هذا يمد ذراعه الأخرى غاية امتدادها مشيرا إلى العين المقفلة، ويكرر على أمه هذا السؤال: ولكن لماذا يقفلها يا ماما؟ ... ولم تسترح «ماما» منه إلا حين قذفت به إلى داخل الحجرة المجاورة، وهي تقول ولا تملك نفسها من الغضب والضحك المكتوم: أنت مالك ومالعينه؟!

هؤلاء المحرجون «مصائب» في أوقات الحرج.

Shafi da ba'a sani ba