156

Gaunilo ، وجاراه في معنى هذه السخرية عمانويل كانت من كبار الفلاسفة المحدثين، وخلاصة انتقادهم أنك إذا تصورت جزيرة بالغة الكمال في مجاهل البحار لم يلزم من ذلك أن الجزيرة قائمة هناك، وإذا تصورت عشرة دنانير لم يلزم من ذلك أن تنطبق كفك على تلك الدنانير، وأن وجود الشيء المتصور غير محتوم.

والبرهان في الواقع أقوى وأمتن من أن ينال بمثل هذا الانتقاد؛ لأننا نستطيع أن نتصور عشرة دنانير دون أن نستلزم وجودها في الحقيقة، ولكننا لا نستطيع أن نتصور كمالا لا مزيد عليه، ثم نتصوره في الوقت نفسه نقصا لا مزيد عليه؛ لأنه معدوم، وإذا قلنا إن الديشليون لا يمكن أن يكون أكبر عدد فالديشليون كالواحد موجود بغير كلام، وإن لم نستخدمه في عد شيء من الأشياء.

وليس ديكارت بالمغالي حين يتوسع في هذا البرهان فيرى أن وجود الله هو الثابت المحقق ومنه يستدل على وجود العالم وما فيه من المحسوسات؛ لأن المحسوسات متغيرة متقلبة والحس قاصر مضلل، والوهم غالب عليه ما لم يثبت وجوده من طريق الحقيقة المطلقة، وهي الله.

فالعقل يستلزم وجود كائن كامل حق منزه عن العيوب، ولا حقيقة ما لم تكن هذه الحقيقة المطلقة ثابتة في العقول، ومن إيمان العقول بها يعلم أن هذا العالم موجود وليس بوهم ولا خداع؛ إذ كان الله خالقه منزها عن الوهم والخداع.

ونحن على دأبنا في تلخيص هذه البراهين نكتفي بالموازنة بينها وبين براهين الإنكار أو بينها وبين الردود عليها، ونعلم أنها براهين تستحق الاعتبار إذا رجحت في كفة الميزان على ما يقابلها ويناقضها.

وهذا هو قول المثبتين في تصور الكمال.

فأما المنكرون فيقولون إنهم يستطيعون أن يتصوروا الكون ناقصا في عنصر العقل مع أنه سرمد لا أول له ولا آخر ولا حدود لمقداره في المادة والقوة، أو يقولون إنهم يستطيعون أن يتصوروا الكون كاملا في كل شيء إلا في عنصر العقل، فإن محتواه منه لم يتجاوز حدود عقل الإنسان.

ولمن شاء أن يختار من القولين ما يشاء. •••

ويعتمد عمانويل كانت - الذي يستضعف هذا البرهان - على برهان أقوى منه وأصح في الدلالة على «الله» كما ينبغي له من الصفات.

فعنده أن برهان الخلق وبرهان القصد يثبتان وجود الصانع القادر ولكنه لا يلزم من قدرته وصنعته أنه «الإله» الذي يصدر منه الخير والرحمة ويعبده الناس عبادة الحب والإيمان.

Shafi da ba'a sani ba