هو عالم لا ألم فيه ولا اجتهاد فيه، ولا اتقاء لمحذور ولا اغتباط بمنشود.
هو عالم لا أمل فيه ولا محبة ولا حنان ولا صبر ولا جزع ولا رهبة ولا اتصال بين مخلوق ومخلوق ؛ لأن الاتصال تكملة ولا حاجة إلى التكملة بأرباب الكمال.
هو عالم لا ظلم فيه، فلا فضيلة ولا رذيلة؛ لأن الفاضل هو الإنسان الذي يعمل الخير ولو شقي به، ويجتنب الشر ولو طاب له مثواه، فإذا ضمن الجزاء العاجل على أعماله أولا فأول فلا فضل له على الشرير، وإذا وجد العالم وفيه أشرار يجزون أبدا بالعقاب وأخيار يجزون أبدا بالثواب فذلك ظلم أكبر من هذا الظلم الذي يأباه المنكرون للقصد والتدبير.
هو عالم لا فرق فيه بين الأبد الأبيد واللحظة العابرة؛ لأنك تريد في كل لحظة عابرة من لحظاته أن تجمع حكمة الآباد، وأن تكون مقاصدها هي مقاصد الكون الذي لا تعرف نهاية طرفيه، فلا انتظار لبقية الزمن ولا موجب للانتظار، ولن يحيا المخلوق المحدود بغير انتظار إلا كان في حسه لون آخر من ألوان الفناء.
وقد يتم هذا المعنى حوار كتبته في موضوعه: وهو موضوع وجود الله من كتابي «في بيتي» حيث أقول على لسان سائل ومسئول:
قال صاحبي: وهل وصلت قط من فلسفة حياتك إلى شيء؟
قلت: نعم، إن الله موجود.
قال: باسم الفلسفة تتكلم أو باسم الدين؟
قلت: باسم الفلسفة أتكلم الآن، والفلسفة تعلمنا أن العدم معدوم فالوجود موجود، موجود بلا أول ولا آخر؛ لأنك لا تستطيع أن تقول: كان العدم قبله أو يكون العدم بعده، وموجود بلا نقص لأن النقص يعتري الوجود من جانب عدم ولا عدم هناك، موجود بلا بداية ولا نهاية ولا نقص ولا قصور، والوجود الكامل الأمثل هو الله.
قال: وكيف توفق بين الوجود الأمثل وبين الشرور والآلام في هذه الحياة؟
Shafi da ba'a sani ba