102

والمعجزة الأولى للمسيح وهي تحويل الماء خمرا معروفة في عبادة ديونيس إله الخمر وإله الشمس، ومن حيواناته المقدسة الحمل والحمار، وعلى الحمار كان ركوبه حتى قيل إنه كان له حماران فجعلهما نجمين في السماء، وبهذا الرمز يرمز البابليون إلى مدار السرطان، فالخلط بين المسيح وديونيس في ركوب الأتان وتحويل الماء موضع نظر، ومثله الخلط بينهما في المذود الذي وضعا فيه عند الولادة كما جاء في إنجيل لوقا حيث قال: «وفي تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة، وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سورية فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد إلى مدينته فصعد يوسف أيضا من الجليل من مدينته الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى، وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود؛ إذ لم يكن لها موضع في المنزل.» أما الإحصاء في هذا التاريخ فلم يرد له أي ذكر في تراجم أوغسطس ولم تجر العادة قط في دولة الرومان أن يكلف الناس السفر من بلادهم إلى البلاد التي عاش فيها أجدادهم الأسبقون ليكتبوا أسماءهم هناك، فالرواية مستهدفة للملاحظة من عدة جهات.

ولم يتفق على المكان الذي ولد فيه المسيح كما لم يتفق على الزمان الذي ولد فيه، فمن قائل أنه ولد في الناصرة، ومن قائل أنه ولد في بيت لحم، والذين يقولون أنه ولد في بيت لحم يذهبون إلى هذا القول لتأييد النبوءة التي تنبئ بظهور المسيح من نسل داود، وهو في بيت لحم لا في الناصرة، وجاء في إنجيل متى أن يوسف النجار رأى في المنام أن هيرود الطاغية سيقتل كل طفل يولد في بيت لحم لذلك العام، مع أن هيرود مات في السنة الرابعة قبل الميلاد، ومع أن يوسفيوس المؤرخ لم يذكر خبر هذه المذبحة فيما أحصاه لهيرود من الآثام، وقد سبقت روايات كهذه عن النمرود وفرعون مصر وغيرهما من الأمراء الذين أنذرتهم النبوءات بظهور أعدائهم قبل مولدهم. فهي روايات لا تدل على شيء يعتمد على التاريخ ولم تكتب هي ولا كتب غيرها مما ورد في الأناجيل إلا بعد عهد المسيح بعشرات السنين. أما الذين عاصروه أو قاربوه غير التلاميذ فلم يذكروا عنه شيئا ولم يدونوا له خبرا، حتى عجب فوتيوس بطريق القسطنطينية حين قرأ في القرن التاسع تاريخ جستس الطبري المكتوب بعد المسيح ببضع سنوات فوجده غفلا من ذكره، وهو مولود حيث ولد المسيح في الجليل، ولم يشر بليني الأكبر بكلمة واحدة إلى الخوارق التي نسبت إليه، وهو كثير العناية بجمع الخوارق في تاريخه الطبيعي المؤلف بعد المسيح بثلاثين أو أربعين سنة. وثبت أن النسخ الصحيحة من تاريخ يوسفيوس المنتهي بالسنة الثالثة والتسعين بعد الميلاد خلو من الفقرتين المشار فيهما إلى المسيح على عجل واقتضاب، وأن هاتين الفقرتين مدسوستان على بعض النسخ في القرون الوسطى، ويقال مثل ذلك في كتب أخرى وردت فيها مثل هذه الإشارات المبهمة بصيغة لا تثبت على المضاهاة والتمحيص.

وقد جمعنا فيما تقدم جميع الملاحظات التي أوردها المتشككون في وجود السيد المسيح، وهي جديرة بالتمحيص لأنها وثيقة الصلة بأسانيد المقارنة بين الأديان، ويتوقف على تقرير قيمتها تقويم الكثرة الغالبة من تلك المقارنات.

وأول ما نرى أن أصحاب هذه الملاحظات قد نسوه وأغفلوه ولم يقدروا قيمته أن السيد المسيح هو صاحب الدين الذي كان أكثر الأديان نعيا على ظواهر المراسم والشعائر والنصوص، فمن الغريب أن يجعلوا تشابه المراسم والشعائر والنصوص مبطلا لوجود من أنكرها وأقام دعوته الكبرى على إنكارها.

وأغرب من هذا أن يتخذوا تشابه المراسم والأخبار دليلا على تلفيق تاريخ السيد المسيح، مع أن التواريخ جميعا حافلة بأسماء الأبطال المحققين الذين نسب إليهم كل عمل من نوع أعمالهم وكل خليقة من نوع خلائقهم، فإذا اشتهروا بالشجاعة رويت عنهم كل أخبار الشجعان، ما ثبت منها لهم وما لم يثبت منها إلا لغيرهم، وإذا اشتهروا بالفكاهة نسبت إليهم فكاهات المعروفين والمجهولين، ولا تزال تنسب إليهم على ممر السنين، وهكذا يصنع الرواة بأخبار كل مشهور سواء كانت شهرته بالمحمود أو بالمذموم من الصفات.

فإذا اختلطت الروايات في أخبار المسيح فليس في هذا الاختلاط بدع ولا دليل قاطع على الإنكار، وقد قلنا في تعليقنا على تلك الملاحظات: إنه «لو كان اختلاط الرموز والشعائر من موجبات الشك في ظهور الرسل لوجب أن نشك في وجود النبي عليه السلام؛ لما في الإسلام من شعائر الحج التي أحياها على سنن العرب قبله، ولوجب أن نشك في وجود علي بن أبي طالب؛ لما أحاط به من أساطير بعض المذاهب الغالية، وفي مقدمتها انتظار الإمام أو المهدي أو المسيح، وهي عقيدة تتشابه فيها تلك المذاهب المسيحية والإسرائيلية ووثنية المجوس.»

ومما فات أصحاب الملاحظات المتقدمة أن آباء الكنائس الأولى لم يحتفلوا بتلك الأعياد وهم يجهلون تواريخها، ولكنهم بدأوا بالاحتفال بها لاعتبارهم أن إكرام السيد المسيح فيها أجدر بالمسيحيين من إكرام الشمس والكواكب وسائر الأرباب الوثنية، وكانوا يرون أتباع الكنيسة يندفعون إلى محافل الوثنيين في تلك الأيام فيصرفونهم عنها بإحياء المحافل التي تقابلها وتمجيد السيد المسيح فيها بديلا من تمجيد الأوثان، وعلى هذه السنة خصصوا يوم الأحد للعبادة لأنه كان يوم الشمس في ديانة عبادها الأقدمين، واسم هذا اليوم بالإنجليزية

Sunday

يدل على بقايا ذلك الدين المهجور.

وأقطع من هذا في استضعاف تلك الملاحظات أن روح المسيحية في إدراك فكرة الله هي روح متناسقة، تشف عن جوهر واحد لا يشبهه إدراك فكرة الله في عبادة من تلك العبادات.

Shafi da ba'a sani ba