Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i
الوجيز في فقه الإمام الشافعي
Editsa
علي معوض وعادل عبد الموجود
Mai Buga Littafi
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
1418 AH
Inda aka buga
بيروت
Nau'ikan
وأنا أقولُ : إنْ قُتِلَ، فأصَابَ الحَقَّ، فَهُوَ فِي الجَنَّةِ، فقال أبو موسَى: الحَقُّ مَا قَالَ؛ وهكذا يكونُ إنصافُ طالبِ الحقِّ؟ ولو ذُكِرَ مثلُ هذا الآنَ لأقلِّ فقيهِ، لأنكره واستبْعَدَهُ، وقال: لا يحتاجُ إلَى أن يقالَ: أصابَ الحَقَّ، فإن ذلك معلومٌ لكلِّ أحد.
فانظر إلى مناظِرِي زمانِكَ اليَوْمَ، كيف يَسْوَدُّ وجْهُ أحدِهِمْ، إذا أنَّضَحَ الحقُّ على لسانِ خصْمِهِ وكيف يخجَلُ به؟ وكيف يجهَدُ في مجاحَدَتِهِ بأقصى قدرته؟ كيْفَ يذُ مَنْ أفحمه طُولَ عمره، ثم لا يستحي منه تشبيهِ نَفْسِهِ بالصحابةِ - رضي الله عنهم - في تعاوُنِهِمْ على النظَرِ في الحق؟
السابعُ:ألاَّ يمنعَ مُعِينَهُ في النظَرِ من الانتقالِ من دليلٍ إلى دليلٍ، ومن إشكالٍ إنى إشكالٍ، فهكذا كانَتْ مناظراتُ السَلَفِ، ويخرجُ من كلامِهِ جميعُ دقائقِ الجَدَلِ المبتدعة فيما له وعليه؛ كقوله: هذا لا يلزمُنِي ذِكْرُهُ، وهذا يُنَاقِضُ كلامَكَ الأوَّلَ، فلا يقبلُ منْك؛ فإن الرجوعَ إلى الحَقِّ مناقضٌ للباطلٍ، ويجبُ قبولُهُ، وأنت ترَى أنَّ جميعَ المجالسِ تنقضِي في المدافَعَاتِ والمجادَلاَتِ حتَّى يقيسَ المستدِلُّ على أصْلٍ بعلَّة يظنها، فيقالُ له: ما الدليلُ علَى أنّ الحَكْمَ في الأصْلِ معلَّلٌ بهذه العلّة؟ فيقول: هذا ما ظَهَرَ لي؛ فإن ظهر لَكَ ما هو أوضَحُ منه، وأولَى، فأذكره حتى أنظُرَ فيه، فيصرَّ المعترضُ، ويقول: فيه معان سوَىُ ما ذكرْتُه، وقد عرفْتُهَا، ولا أذكُرُها؛ إذ لا يلزمُنِي ذكْرُها، ويقولُ المستدلُّ: عليكَ إيرادُ ما تدَّعِيهِ وراءَ هذا، ويصرُّ المعترضُ علَى أنه لا يلزمُهُ، ويتوخَّى مجالسَ المناظَرَة بهذا الجنْسِ من السؤالِ وأمثالِهِ، ولا يَعْرِفُ هذا المسكينُ؛ أن قوله: إنِّي أعرفُهُ، ولا أذكُرُهُ؛ إذ لا يلزمُّنِي كَذِبٌ على الشَّرْع؛ فإنه إن كان لا يعرفُ معناه، وإنما يدَّعيه؛ ليُعْجِزَ خَصْمه، فهو فاسقٌ كذَّابٌ، عصَى الله تعالَى، وتعرَّض لسخَطِهِ بِدَغْوَاه معرفةً هو خالٍ عنها، وإن كان صادقاً، فقد فسقَ بإخفائِهِ ما عرفَهُ من أمرِ الشرع، وقد سأله أخُوه المُسْلِمُ؛ ليفهمَهُ، وينظرَ فيه؛ فإن كان قويّاً، رجع إليه وإن كان ضعيفاً، أظهر له ضعْفَهُ، وأخرجه عن ظلمةِ الجَهْل إلَى نور العلْمِ.
ولا خلاف أن إظهار ما عُلِمَ من علُومِ الدِّين بعد السؤَالِ عنه واجبٌ لازمٌ، فمعنى قوله: لاَ يَلْزَمني؛ أي: في شَرْعِ الجَدَلِ الذي أبدَعْنَاهُ بحُكْمِ التشهِّي والرغبة في طريقِ الاحتيالِ والمُصَارعة بالكلامِ، لا يلزمني، وإلا فهو لازمٌ بالشرْعِ؛ فإنَّه بأمتناعِهِ عن الذكْرِ: إما كاذبٌ، وإما فاسقٌ، فتفخَّصْ عن مشاوراتِ الصحابةِ، ومفاوضَاتِ الشَّلَف - رضي الله عنهم - هَلْ سمعتَ فيها ما يضاهِي هذا الجنْسَ؟ وهل منع أحدٌ من الانتقالِ من دليلٍ إلى دليل، ومن قياسٍ إلى أثرٍ، ومن خبر إلى آيةٍ؟ بل جميعُ مناظراتِهِمْ من هذا الجنسِ؛ إذ كانوا يذكرون كلَّ ما يخطُرُ لهم كما يخطُّرُ، وكانوا ينظُرُونَ فيه.
الثامن:أن يناظِرَ من يتوقَّع الاستفادةَ منه مِمَّنْ هو مشتغلٌ بالعلْمِ، والغالبُ أنهم يحترزُونَ من مناظَرَةِ الفحُولِ والأكابر؛ خوفاً من ظهورِ الحَقِّ على ألسنتهم، فيرغبون فيمَنْ دونهم طمعاً في ترويج الباطلِ عليهم، ووراءَ هذه شروطٌ دقيقةٌ كثيرةٌ، ولكن في هذه الشروطِ الثمانيةِ ما يهديك إلَى مَنْ يناظُرِ للَّهِ، وَمَنْ يُنَاظِرُ لعلَّة .
مُصَنَّفَاتُ الغَزَّالِيِّ فِي عِلْمِ الْكَلاَمِ:
53