12

Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i

الوجيز في فقه الإمام الشافعي

Bincike

علي معوض وعادل عبد الموجود

Mai Buga Littafi

شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم

Lambar Fassara

الأولى

Shekarar Bugawa

1418 AH

Inda aka buga

بيروت

الإسلاميَّة بعد الفتوحات العظيمة، نجد أن الرحلة شاعَتْ، وأنتشَرَ أمرُها؛ لتفرِّق العلماء في شَتَّى بلدان الدولة الإسلامية.

ولقد ضحَّى سلفنا الصالح بكل غال ورخيص، ودفعوا المال والجهد، وتكبَّدوا العناء والمشاق؛ في سبيل طلب الحديث وجمعه، والعناية بسُنَّةِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -

فهذا الصحابيُّ الجليلُ أبو أيوبَ الأنصاريُّ يرحَلُ من ((المدينة)) قاصداً عقبةَ بْنَ عامٍ بـ ((مِصْر))؛ ليسأله عن حديث سمعه من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-؛ حتى إذا وصل إلَى منزل عقبة بن عامر، خرج إليه عقبةُ، فعانقه، وقال: ما جاء بكَ، يا أبا أيوب؟ فقال: حديثٌ سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم لم يبق أحدٌ سمعه منه غيري وغَيْرُكَ، في ستر المؤمن، قال عقبة: نعم، سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: ((مَنْ سَتَرَ مُؤْمِناً فِي الدُّنْيَا عَلَى خِزْيَةٍ، سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ))(١).

فقال أبو أيُّوب: صدقْت، ثم انصرفَ أبو أيُّوب من توّه إلى راحلته، راجعاً إلى ((المدينة))، متحملاً مشقّة السفر، ووعثاءَ الطريق، وأخطارَ المقاوز والقفار.

ويقولُ سعيد بن المسيِّب: إني كنتُ لأُسَافِرُ مسيرةَ الأيّامِ والليالي في الحديثِ الواحِدِ.

وذاتَ مرَّة قال عمرو بن أبي سلمة للأوزاعيِّ: يا أبا عمرو، أنا ألزمك منذ أربعةِ أيّامٍ، ولم أسمَعْ منك إلا ثلاثين حديثاً! قال: وتستقلُ ثلاثين حديثاً في أربعة أيامٍ؟ لقد سار جابرُ بْنُ عبدالله إلَى مصْرَ، واشترى راحلةً، فركبها، حتى سأل عقبةَ بْنَ عامٍ عن حديثٍ واحدٍ، وانصرف إلى ((المدينة)) وأنت تستقلُّ ثلاثين حديثاً في أربعةِ أيام؟(٢).

ممَّا سبق يتبيَّن أن للرحلة أثراً ملحوظاً في تمحيص العُلُوم، وتنقيحها، وتثبيتها في أذْهَان العلماءِ، وأنَّ طلاب العلْم نَزَحوا من قُطْرِ إلى قطرٍ، تحملُهم ظهورُ الفيافي والقفار؛ تنقيباً عن الحديث، أو المسألة الفقهيّة، أو السماعِ من شيخٍ مشهُورٍ، أو التَّلْمَذَةِ على يدِ عالمٍ إمامٍ.

ولم يكن الإمامُ الغَزَّالِيُّ بِدْعاً في هذه الشأن، بل سار علَى دَربِ أسلافِهِ من العُلَمَاءِ، وأقرانه من طلاب العلمٍ في السعي والسفَرِ، رغبةً في تحصيل العلم، وطلب مسائله وقضاياه.

وتروي لنا كتبُ التراجمِ، أنَّ حياة الغَزَّالِيِّ كانت حافلةً بالتَّرْحَالِ والتنقلِ، من بلد إلى بلد، يفتح قلبه ووجدانه لمزيدٍ من فنون المعرفة والعلوم المختلفة، وينشد ضالّته، ويشبع نهمته التي لا تهدأ، ويروي الظمأ الذي لا ينقطعُ، للوصول إلى الحقيقة المُطْلَقة، وأعلَى مراتبِ اليقين.

فلقد انتقَلَ - رضي الله عنه - من مَسْقِطِ رأسِهِ ((طوس)) إلى ((جُرْجَان))، ثم رحل إلى (نَيْسَابُور))،

(١) أخرجه الحميدي (١٨٩/١) رقم (٣٨٤) وأحمد (١٥٣/٤) والخطيب في .. الرحلة في طلب الحديث (ص - ١١٨) والحاكم في .. معرفة علوم الحديث .. (ص - ٧) وابن عبدالبر في .. جامع بيان العلم .. (٩٤/١).

(٢) روى هذه الآثار الحاكم في علوم الحديث ص ٨،٧.

12