وهذا الموقف الحكيم العظيم يدل على عظم سخاء النبي جمعيه، وغزارة جوده (١).
وكان ﷺ يعطي العطاء ابتغاء مرضاة الله ﷿، وترغيبًا للناس في الإسلام، وتأليفًا لقلوبهم، وقد يُظهر الرجل إسلامه أولًا للدنيا ثم - بفضل الله تعالى، ثم بفضل النبي ﷺ ونور الإِسلام - لا يلبث إلا قليلًا حتى ينشرح صدره للإِسلام بحقيقة الإِيمان، ويتمكن من قلبه، فيكون حينئذ أحب إليه من الدنيا وما فيها (٢).
ولهذا شواهد كثيرة، منها: ما رواه مسلم في صحيحه «أن النبي ﷺ غزا غزوة الفتح - فتح مكة - ثم خرج ﷺ بمن معه من المسلمين فاقتتلوا بحنين، فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله ﷺ يومئذ صفوان بن أمية مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة. قال صفوان: والله لقد أعطاني رسول الله ﷺ ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي» (٣).
وقال أنس ﵁: «إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإِسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها» (٤).
(١) انظر أمثلة كثيرة من كرمه وجوده في البخاري مع الفتح، كتاب بدء الوحي، باب حدثنا عبدان ١/ ٣٠، وكتاب الأدب باب حسن الخلق وما يكره من البخل ١٠/ ٤٥٥، وكتاب الرقاق، باب قول النبي ﷺ: لو أن عندي مثل أحد ذهبًا ١١/ ٢٦٤، ١١/ ٣٠٣، وكتاب الكفالة، باب من تكفل عن ميت دينًا فليس له أن يرجع ٤/ ٤٧٤، وكتاب التمني، باب تمني الخير، وقول النبي ﷺ لو كان لي أحدًا ذهبًا ١٣/ ١٧، ومسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله ﷺ شيئًا قط فقال: لا، وكثرة عطائه ٤/ ١٨٠٥، ١٨٠٦، وكتاب الزكاة، باب من سأل بفحش وغلظة ٢/ ٧٣٠، وباب وتغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة ٢/ ٦٨٧.
(٢) انظر: شرح النووي على مسلم ١٥/ ٧٢.
(٣) مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل ﷺ شيئًا قط فقال: لا، وكثرة عطائه ٤/ ١٨٠٦.
(٤) المرجع السابق، في الكتاب والباب المشار إليهما آنفًا ٤/ ١٨٠٦.