أما البحث في أن بعض الأعمال شر، وبعضها خير، وشيء منها نافع، وشيء منها ضار، فهو قديم سبق سقراط بأجيال.
فالأمة العربية التي ورث الغزالي وورث أساتذته آدابها القديمة، كانت تقول الشعر والنثر في تهذيب الأخلاق، فمن الواضح أن قول بعض الأعراب في وصية ابنه «المنية ولا الدنية» فيه ضرب من التهذيب الفردي، وقول أحدهم في حض الجيش على صدق اللقاء «الطعن في النحور أكرم من الطعن في الظهور» فيه نوع من تقديم المحاربين، لأن الأخلاق لا تعرف موطنا بعينه، وإنما تتبع الرجل في كل حال.
وكذلك قول أكثم بن صيفي: «العقل راقد، والهوى يقظان، والشهوات مطلقة، والحزم معقول. والمستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل. أصبح عند رأس الأمر أحب إلي من أن أصبح عند ذنبه. لم يهلك من مالك ما وعظك. نفاذ الرأي في الحرب أجدى من الطعن والضرب. التقدم قبل التندم. ويل لعالم أمر من جاهله. يتشابه الأمر إذا أقبل، فإذا أدبر عرفه الكيس والأحمق.» في هذه الكلمات كثير من الآداب الاجتماعية، وهي جزء من علم الأخلاق.
ونجد شعراء الجاهلية والإسلام ضربوا بسهم في معرفة الطبائع البشرية، فنرى في شعرهم شيئا عن أثر الوراثة، وأثر الرفقة، وأثر الجوار، إلى غير ذلك من المعاني التي بسطها الفلاسفة حين تكملوا في الأخلاق. فقول ذي الأصبع العدواني:
كل امرئ صائر يوما لشيمته
وإن تخلق أخلاقا إلى حين
يماثل بعض المذاهب الأخلاقية.
وقول مسكين الدارمي:
وفتيان صدق لست مطلع بعضهم
على سر بعض غير أني جماعها
Shafi da ba'a sani ba