والغزالي تكلم عن اللذة، وعني بها كما فعل جسندي، ولكن الفرق بيهما بعيد، فإن جسندي يرى اللذة غرضا من أهم أغراض الإنسان. ولكن الغزالي يراها صفة من صفاته، فللعين لذة، وللأذن لذة، ولعضو التناسل لذة. ولا قيمة للحياة بغير هذه اللذات. ولكن يجب أن تحد بحدود العقل والشرع، ومن السهل أن يعرف المرء ما لهما من الحدود. ولكن جسندي يحد اللذة بما لا يصحبه ألم ولا يعقبه ألم. وهنا موضع الخلاف، فإن الزنا في نظر الغزالي ليست له أضرار دنيوية، ولكنه يذهب بصاحبه إلى النار. (8) الغزالي ومالبرانش
Malebranche
ولد «مالبرانش» في باريس سنة 1638 ومكث قسيسا خمسين سنة. وكان كل همه أن يوحد بين الدين والفلسفة. وقد توفي بعد مرض طويل سنة 1715.
وأهم مؤلفاته
Traité de Morale, Recherche de la Vérité
وهو من أنصار ديكارت والمعجبين به، ومن القائلين بوجوب حرية الفكر إلى أقصى حد. والقاعدة عنده أنه لا يصح أن نسلم تماما إلا بالقضايا التي تظهر لنا واضحة إلى حد أنه لا يمكننا أن نرفض التسليم بها، وإلا تعرضنا لعتب العقل، وتأنيب الضمير.
والقاعدة الأخلاقية عند مالبرانش أنه لا يصح أن نحب خيرا من الخيرات حبا تاما، ما دمنا نستطيع ألا نحبه بلا ندم. وهنا يتفق مع الغزالي، فيقرر أنه لا يجب أن نحب غير الله حبا تاما مطلقا. ونحن نذكر أن الغزالي قرر أن الحب المطلق لا يكون لغير الله، لأنه لا نظير له، لا في الإمكان ولا في الوجود.
ويتفق مالبرانش مع الغزالي في عدم الثقة بأحكام الحس، لأنه رأى البصر يختلف حكمه على الأشياء باختلاف القرب والبعد، ويضيف إلى ذلك شكه في الوحدة الزمنية، لأنه يرى اليوم على طوله قصيرا بالنسبة إلى الفرح المسرور. ويرى الساعة على قصرها طويلة بالنسبة إلى المتألم الحزين.
ويتفق الغزالي ومالبرانش في فهم الرجل الخير، فإذا كان الغزالي يقرر أنه ما هلك امرؤ عرف قدره، فإن مالبرانش يقرر أن الإنسان الخير حقيقة هو من لا يريد أن يكون سعيدا إلا بقدر ما يستحق، وبقدر ما تسمح له العدالة الإلهية.
ويفترق الغزالي ومالبرانش في تقدير اللذة، فهي عند الغزالي خير إلى حد محدود، ثم تنقلب إلى شر. وهي عند مالبرانش خير دائما، وإن كان التمتع بها لا يفيد دائما، لأنها قد تصرفنا عن الله. ويختلفان كذلك في فهم الألم، فهو عند مالبرانش يكاد يكون خيرا، وإن كان شرا بالفعل. والغرض من ذلك تبرير الاحتمال. أما الغزالي فلا يخص الألم باهتمام خاص، وإن كان يرحب بكل ما يناله من الأذى في سبيل الله.
Shafi da ba'a sani ba