53

Ƙarshen Duniya

آخر الدنيا

Nau'ikan

وهكذا تركنا مجلسنا تحت الكوبري، وزحفنا حتى بلغنا الحائط الذي يمتد من درابزينه، والمدفع الإيطالي في يدي، وكلانا قابع في وضع استعداد، وعيوننا تخترق الظلمة؛ إذ كان القمر لم يطلع بعد لنلمح أول القادمين. وبهمس وبلهجة جديدة على أذني تماما، قال الغريب: لما تشوفه انس نفسك خالص، وبص له هوه ... وما تنشنش إلا أما يقرب ... عند الشجرة اللي هناك دي ... وساعة التنشين اكتم نفسك خالص، وخلي النيشان على وسط صدره ... ولما تضبط النيشان اضرب على طول ... اوع تتردد لحسن يقتلك هو ... لازم تعمل حساب إنه مسلح، وأنك إن ما أصبتوش حيصيبك هو ... يا قاتل يا مقتول ... وإذا خفت فكر إن بينك وبينه حاجة ... فكر إن ده اللي قتل أبوك حتى إن ما كانش أبوك مات ... فكر تمام كده، وآمن بحق وحقيق إنه هو اللي قتله ... وإذا ما وقعش بعد الأولانية ... التانية على طول ... والتالتة ... وحتى لو وقع غير النيشان، واضرب في المليان.

ولأول مرة في حياتي أجد نفسي أستمع لدرس يلقى علي وأنا متفتح كليا لتلقيه، وآذاني تسمع وأصابعي تفهم، وأنفاسي تعي ما يجب عليها أن تفعله، وروعة ما سيحدث قد طغت علي واكتسحتني ... وروعة ما يحدث تغرقني بنشوتها، فها أنا ذا أخيرا جدا أتلقى أسرار أولاد الليل، وأتلقاها عن جدارة. فلولا ثقة الغريب في وفي قدراتي لما رضي أن أصبح تلميذه. الغريب الرابض بجواري، وقد بدأت تطرق صوته وحركاته ملامح الغريب الآخر، ملامح الغريب حين يقتل أو يهجم أو يقدم على أمر خطير. أما الشيء الذي لمحته، وجعل العرق البارد ينبع من جسدي كله ورقبتي، ويملأ بسريانه الملموس قناة ظهري، الشيء الذي رأيته وقلب نشوتي إلى رعب بارد لا رحمة فيه ولا هوادة، فهو البلطة التي لمحت الغريب يطبق عليها بيمينه ويخفيها عني بثيابه، البلطة التي أطاحت برأس شلبي، والتي تستعد قطعا للإحاطة برأسي إذا فشلت فيما أنا مقدم عليه.

فجأة أحسست وكأني كنت أحيا طول الوقت بأحلامي في واد، وجسدي في واد آخر، وأنه قد آن الأوان ... أتت اللحظة لكي أنقل جسدي وكياني لأرض أحلامي، وأن نحلم شيء وأن ننقل أجسادنا إلى أحلامنا شيء آخر، فما بالك إذا أصبحت حياتنا نفسها تتوقف على هذه الخطوة؟

وقال الغريب: خد.

كانت سيجارة ملفوفة، وكنت أرفض أن أدخن أمامه، ولكني أخذتها بيد ثابتة وأشعلتها، ومضينا ندخن تدخين ند لند ... وأجبر نفسي على اعتقاد أنه تدخين ند لند.

وقال الغريب: بعد الحكاية ما تتم ... نمشي من هنا.

ثم صمت برهة، وواجهني بعينين فيهما لمعة، وقال: يمكن حظنا يبقى كويس، ويطلع متريش ... على العموم بعد ما تخلص عليه تروح ومعاك المدفع تفتشه، وتجيب أي حاجة تلقاها وتمشي ... واوع تتلخبط ويقع منك انت حاجة وانت بتفتشه.

وهززت رأسي أطلب منه أن يطمئن.

ومر الوقت بطيئا، ونحن نمد أبصارنا بأكثر مما نستطيع علنا نلمح ذلك القادم المجهول.

وطال انتظارنا، وأعصابي تزداد توترا مع كل دقيقة منه، حتى لم أعد في النهاية أستطيع. وهممت أن أقف أو أنفجر أو أصرخ لأخفف ما بي من بخار مضغوط، ولكني قبل أن أفعل وجدت يده الصغيرة تمتد إلى ذراعي وتضغط عليها، ووجدته يقول: الصبر ... طول بالك أمال ... قلت لك انس روحك خالص ... إنت لما بيعلموك ركوب العجل بيقولوا لك إيه؟ مش بيقولوا بص لقدامك، بص لبعيد؟ ... وانت إياك تبص لروحك ... تضيع ... خلي همك في اللي جاي.

Shafi da ba'a sani ba