وخرج الجميع وهم يضحكون تشيعهم جملة سباعي: ألم أقل إنكم طول عمركم رجال؟!
وحين خلا المكان بسباعي وأبو سريع قال سباعي: هل اتفقت مع أحد بعد عز الدين ... بك. - يا بك الأربعين كان أول أمس، من يمكن أن يكلمني قبل أن يمر الأربعين ؟ - لا تتفق. - أمرك، فيه حاجة؟ - لا تتفق وبس، أفهمت؟ - أمرك.
الفصل العاشر
متولي أبو منصور هو أحسن فلاح في أرض وهدان جميعا، وقد أنتج فدانه في العام الأول من تولي سباعي الأرض سبعة قناطير. وكان نظام الزراع مع الملاك خاضعا للمحمول، وهو نظام يشبه الإيجار إلا أن السداد فيه يكون عينيا؛ أي بالمحصول نفسه. وكان هذا السداد يسمى المحمول، وقد غلبت هذه الكلمة على النظام كله، فكان يقال إن الزراعة بالمحمول، وكان محمول الأرض الذي يجب أن يسدده الفلاح في أرض وهدان هو ثلاثة قناطير عن فدان القطن وثلاثة أرادب عن فدان القمح وأربعة أرادب عن فدان الذرة. وكان متولي يزرع خمسة أفدنة، وكانت الأرض تنتج في مألوف عادتها خمسة قناطير، وكان الأصل أن يكون ثلاثة أخماس المحصول للمالك وخمساه للزارع، فإن كانت هناك مصاريف زراعية تخصم بنفس النسبة ما تمثل الكيماوي والري وجمع قطن عينا أيضا من محصولها.
وحلا لسباعي أن يبدأ حياته الجديدة التي أعد نفسه لها منذ باكر الأيام مع متولي أبو منصور الذي يزرع عندهم منذ عشرين سنة ونيف. أرسل إليه وبدأ يحاسبه على ملأ من الناس. - كم أنتج الفدان عندك؟ - يا سي سباعي أفندي. - بك يا ولد. - ولا مؤاخذة بك، ألا تعرف؟ - أعرف ولكن أريد الرجال أن يسمعوا. - سبعة قناطير. - هو ما قلت؟ - أنا لا أكذب عمري، وأنت تعرف. - سبعة قناطير في خمسة أفدنة يكون كل محصولك كم؟ - لا حول ولا قوة إلا بالله! - انطق. - خمسة وثلاثون قنطارا. - حلو جدا، فلماذا وردت خمسة عشر قنطارا. - عجيبة! ثلاثة في خمسة، أليست خمسة عشر. وليس علي مصاريف، أنا اشتريت الكيماوي ورويت وأنا الذي جمعت أيضا. ماذا تعوز مني يا سي سباعي أفندي؟ - بك. - بك. - أليس المحمول مخامسة؟ - كان كذلك حقا، ولكن المرحوم والدك لما رأى الأرض تنتج عادة خمسة قناطير جعل المحمول ثلاثة قناطير حتى ينال الفلاح الذي يجتهد حقه، وينال المقصر جزاءه عن ضعف المحصول، وأنت نفسك كنت تحصل منا المحمول منذ سنوات على هذا الأساس . - ولكني السنة أريده مخامسة. - السنة هذه غير معقول! أما إذا كنت تريد ذلك في العام القادم فأمرك، ولكن رأيي أن هذا ليس من مصلحتك وليس عدلا أيضا. - وهل لك رأي؟ - وكان المرحوم والدك يأخذ به منذ كنت أشيلك على كتفي. - اخرس يا ابن الكلب. - ابن الكلب! أهي حصلت يا سباعي؟ - بك. - من غير بك، سلام عليكم.
وانصرف متولي ونادى سباعي: يا أبو سريع.
وجاء أبو سريع من الحجرة الأخرى. - نعم يا بك. - قطن متولي أبو منصور يذهب رجالك اليوم ومعهم بعض رجال تختارهم أنت وتعبئونه في الأكياس، وتجيئون به الليلة. - أمرك يا بك، لكن فقط ... - ما لك! - سمعت وهو جالس معك من الرجال أنه باع قطنه. - باعه؟ - نعم. - وسلمه؟ - اليوم وقبض ثمنه. - تذهبون إليه وتطالبونه بثمن سبعة قناطير منه. أنا لا أظلم أحدا، إنما حقي لا بد أن آخذه.
ولم يجد الرجال الجالسون والذين يقف أمامهم أبو سريع بكل تاريخه في موقف التابع الخاضع لسباعي بدا من أن يقول قائلهم: عداك العيب. - رجل وابن رجل طول عمرك. - وكتر خيرك لأنك لم تؤدبه بثمن قنطارين جزاء طريقته في الكلام مع سعادتك.
ويقول سباعي الذي أحس أن مراسم التتويج الإجرامي قد تمت له بهذا النفاق: المؤدب ربنا، أنا أريد حقي فقط، اذهب أنت يا أبو سريع. - أمرك يا سعادة البيك.
وينصرف أبو سريع ويأخذ الرجال الجالسون من سباعي في حديث آخر، وحين يأتي أبو سريع يبادره سباعي: هه، أحضرت المبلغ؟ - يا سعادة البك، هذا الرجل قليل الأدب. - كيف؟ - قال لن أدفع شيئا، ولن أخاف منك يا أبو سريع، ولا من سيدك الجديد، وأعلى ما في خيلكم اركبوه.
Shafi da ba'a sani ba