ابتسمت قانعا بسكرة الرضا، فقال: سأعطيك ثلاثمائة جنيه، ربما كان الكرم فضيلتي الوحيدة، وهو أكبر مكافأة لأول مسرحية.
ليت العمر امتد بك حتى تشاركيني فرحتي! وتفكر قليلا، ثم تساءل: لعلك تتوقع أسئلة محرجة؟ - إنها مسرحية، ولا يجوز إلقاء نظرة خارج نطاقها. - جواب حسن؛ أنا لا يهمني إلا المسرحية ... ولكنها ستثير عاصفة من سوء الظن بين معارفنا.
فقلت بهدوء: لا يهمني ذلك. - برافو ... ماذا عندك أيضا؟ - أرجو أن أشرع في كتابة مسرحية جديدة. - برافو ... حل موسم الأمطار ... وإني في انتظارك، سأفاجئ بها الفرقة في الخريف القادم. •••
في سكني الصغير، تغشاني الكآبة كثيرا؛ تمنيت أن أجد سكنا آخر، ولكن أين؟ بدلت الحجرتين كلا مكان الأخرى، بعت الفراش، واشتريت آخر جديدا. تغلغلت تحية في حياتي أكثر مما تصورت. لم يبدأ حزني شديدا ثم يخف، ولكنه بدأ خفيفا نسبيا ربما بسبب الذهول، ومضى يشتد، حتى وضعت أملي في النسيان بيد الزمن. سيتصور كثيرون أنني قتلتها، ولكنها تعرف الآن الحقيقة كلها. وقبيل الخريف، غادر والدي السجن، واحتراما للواجب الذي أرفعه فوق العواطف استقبلتهما بالبر والرحمة. رأيتهما شبه محطمين، فازددت حزنا. اقترحت على سرحان الهلالي قبول عودتهما إلى عملهما السابق في المسرح، فأوفر لهما العمل وأعفي نفسي منه؛ لأتفرغ للفن، فوافق الرجل، ولكنهما رفضا ذلك بشدة دلت على نفورهما من المسرح وأهله. باستثناء عم أحمد برجل وأم هاني، لم يكلف أحد نفسه بزيارتهما. ارتحت أنا لذلك؛ لأنه جاء مطابقا لما سجلته في المسرحية. ظل أبي غريبا رغم توبته الإجبارية عن الأفيون، لا رابطة في الواقع بيننا، والحق أنني لم أفهمه، ولا أدعي فهما له أطمئن إليه، وقد شاءت المسرحية أن أصوره كضحية للفقر والمخدر؛ ترى ماذا يقول عن دوره؟ هل أستطيع أن أواجهه بعد العرض؟! أما أمي، فما زالت متعلقة بي، وتود أن تشاركني حياتي، ولكنني أود أن أظل خفيفا، وأحلم بأن أعثر على مسكن جديد ولو حجرة واحدة. إن لم أشعر نحوها بحب، فإنني لا أضمر لها كرها، وسوف تذهل حين ترى دورها على المسرح، فتعرف أنني عرفت جميع ما حاولت إخفاءه عني؛ هل أستطيع بعد ذلك أن ألاقيها في نظرة؟ كلا، سأتركهما ولكن في أمان. فكرة المقلى فكرة طيبة، وصاحب الفضل فيها هو أحمد برجل. أملي أن يجدوا حياتهما، وأن تدركهما توبة صادقة. •••
وجدتني وجها لوجه مع طارق رمضان، في المسرح كنا نتبادل التحيات الضرورية العابرة، ولكنه هذه المرة يقتحم علي خلوتي بوقاحته المعهودة؛ إنه من القلة التي لا تعرف الارتباك ولا الحرج. طالما عاتبت أم هاني على معاشرتها له. قال كاذبا بغير ما شك: جئت لأهنئك على المسرحية.
بل جئت للاستجواب الحقير، ولكنني جاريته فشكرته. وبمكر أطلعني على رأي المخرج قائلا: إن البطل قذر جدا، وبغيض جدا، ولن يتعاطف الجمهور معه.
تجاهلت الحكم تماما؛ ليس البطل كذلك لا في الواقع ولا في المسرحية، ولكنه يهاجمني بلا زيادة ولا نقصان. جعلت أنظر إليه باستهانة، حتى تساءل: ألم تقدر أن حوادث المسرحية ستلاحقك بأسوأ الظنون؟
فأجبته ببرود: لا يهمني ذلك.
فإذا به يقول بانفعال واضح: يا لك من قاتل محترف!
فقلت باستهانة: ها أنت تعود إلى الماضي، وهو بالنسبة إلي تجربة حب، أما بالنسبة لك فما هو إلا محنة حقد. - أتستطيع أن تدافع عن نفسك؟ - لست متهما. - ستجد نفسك في النيابة قريبا. - إنك أحمق وحقير!
Shafi da ba'a sani ba