هذه الكلمات التي كتبها جيته هي إحدى محاولاته العديدة لتجديد حياته التي وصفها بأنها هرم، ثم بأنها برج بابل، بل هو لم يعبأ بأن يموت قبل أن يتم الهرم أو البرج؛ لأنه أحس أن الناس سوف يعجبون به؛ لأنه وضع «التخطيطات» أو كما نقول «التصميمات» للبناء.
ونحس ونحن نقرأ تاريخ حياته أنه تناول هذه الحياة كما لو كانت عجينة يجبلها من وقت لآخر في أشكالها المختلفة، فكان يفر من أصدقائه كي يتوفر على الدرس إلى بيت في الخلاء، بل لقد فر إلى إيطاليا، وكان يؤلف القصائد، ويدرس في الوقت نفسه تشريح الحيوان والإنسان، ويقارن بين النباتات، ويجمع الأحجار الدفينة كي يعرف تاريخها الجيولوجي، وإلى هذا النشاط كان يؤدي أعمالا وزارية وإدارية وجامعية ومسرحية.
أراد جيته وهو في الثلاثين أن يرتقي، وأن يخرج من أسر الشهوات التي استبدت به وقتا ما إلى منطق العقل، فوضع لحياته القادمة برنامجا، حتى لا يعيش جزافا أو سدى، ومنذ تلك السن وحياته مليئة بالنشاط، يختبر ويدرس، ويستمتع ويسيح، ويحب ويخدم، ويقرأ ويؤلف إلى أن بلغ الثالثة والثمانين.
وجمهور القراء يعرفون أن جيته أديب وشاعر، ولكنه هو كان يعرف أن حياته أغلى وأثمن من أن يستوعبها الأدب فقط، ولذلك كتب يقول في شيخوخته:
لقد عرف عني، منذ نصف قرن في بلادي وخارج بلادي، أني شاعر، وليس هناك من ينكر علي هذه الهبة، ولكن ليس من المعروف عامة، كما ليس هناك من قدروا، أني اهتممت بجد وعناية مدة سنين عديدة بظواهر الطبيعة المادية والفسيولوجية، وأني أكببت على دراستها في مثابرة كانت تمليها علي حماستي، حتى إني عندما أخرجت رسالتي عن تطور النباتات، قبل أربعين سنة، اهتم بها العلميون في سويسرا وفرنسا ولم يبد منهم ما يدل على الدهشة من أن شاعرا قد ند عن طريقه واستطاع أن يهبط على اكتشاف خطير، وقد كتبت تاريخ دراساتي كي أنقض هذا الرأي الشائع عني، وهو أني شاعر فقط، وكي أوضح أني أرصدت جزءا كبيرا من حياتي لدراسة التاريخ الطبيعي الذي أغرمت به.
وهو يقول أيضا:
إن من يعرفون السحر الذي نحسه عندما نكشف عن أسرار الطبيعة لا يستغربون خروجي من الدائرة التي بقيت إلى الآن داخل نطاقها، وأني ألقيت بنفسي في طرب وحب في دائرة جديدة، ولست أخشى لوما من أولئك الذين يجدونني متناقضا؛ لأني تركت التأمل في القلب البشري، بالشعر، إلى التأمل في الطبيعة، بالعلم؛ إذ لا بد من التسليم بأن هناك علاقة حسية بين جميع الأشياء، وأن العقل المستطلع السائل لا يرضى بأن يحرم البحث فيما يمكن بحثه.
ومع أن جيته وجد من عيره بالاتجاه نحو العلوم إلى جانب اختصاصه بالآداب، فإنه لم يعبأ بهذا التعيير، بل لم يبال بقول «هيردر» عنه إنه يشغل نفسه بدراسة الخضروات والأحجار.
ذلك أن الهم الأول عند جيته كان ارتقاءه، وقد انتهى إلى أن هذا الارتقاء يجب أن يكون استيعابيا، يحوي كل شيء مستطاع من خبرة إلى دراسة، ومن أدب إلى علم، ومن هنا قوله: شخصيتي أكبر من فني.
بل إنه لم يتكبر على أن يقول إنه أخطأ، وإنه ألف مؤلفات سيئة يخجل منها، وكان من هذه المؤلفات قصته العاطفية المشهورة «آلام فرتر»، واعترافه بالخطأ هو إرادة جديدة للرقي.
Shafi da ba'a sani ba