للأدب العضوي موضوع وهدف، أما الأدب البلاغي فليس له موضوع أو هدف. (هل كان لشوقي موضوع أو هدف؟)
إني أفهم أنه كان لبيرون، وشيلي، وأندريه جيد، وأناطول فرانس، وبرنارد شو، وه.ج. ولز، ومكسيم جوركي، وثورو، موضوعات وأهداف.
ولكني حين أقرأ هذه الصفحات التي تبلغ ثلاثة آلاف أو أكثر من كتاب الأغاني لا أجد موضوعا أو هدفا، وإنما أجد حلويات لا تغذو الذهن الناضج، ولكنها تروح وتسلي بالنبرة والنغمة والنكتة النادرة؛ ذلك لأن المؤلف كان يكتب للأمراء والأثرياء والملوك، وكان يحس أنه يخدمهم ويسليهم ويقدم لهم ترفا.
أما الأديب العصري فيحس أنه يخدم، ولكن خدمته قيادة وإرشاد ونور، وجد يؤلم، وطرب يرفع نحو الشهامة والنبل.
الأدب العضوي هو محاولة أو محاولات لا تنقطع لزيادة الوجدان حتى يجد القارئ نفسه بعد ذهول، وحتى يتعقل بعد استرسال في عادته الذهنية، أو بعد استسلام لمكانه الاجتماعي، وهو أيضا محاولة لزيادة الإحساس، حتى يزول التبلد الذي يطغى بقوة الجهل على كثير من أبناء الشعب، ولذلك يحاول الأديب أن يجلو مشكلة اجتماعية غامضة أو يكشف عن شقاء إنساني خفي قد لا يدريه الأشقياء أنفسهم الذين يعانون هذا الشقاء، أو هو يتناول العادات الاجتماعية أو الذهنية السيئة بالنقد والتوضيح حتى يكف الناس عنها.
أما الأدب البلاغي فهو لعبة للتسلية، ألسنا نقرأ الأغاني والحريري ونوادر الكتب الأربعة التي أوصى بقراءتها القيرواني ونحن نتلمظ بكلماتها الحلوة ... ثم لا يترك هذا الأدب شيئا في نفوسنا، فلا طرب، ولا ألم، ولا برنامج ولا كفاح، ولا ثورة في الروح ولا عزيمة للتغيير؟
الأديب الجديد، الأديب العضوي، هو الذي يدرس الحياة، ويحاول أن يجد نظرة جديدة لشئونها أعمق وأوسع من النظرة المألوفة.
الأدب الجديد هو أدب أولئك الذين كبروا ونضجوا في الذهن والنفس، فلم يعد يغريهم كلام منغم ونكات بارعة بلا هدف من نظمها إلا التسلية، وهم يحسون مسئولية إنسانية وضميرا عالميا؛ ولذلك ليس الأدب عندهم اهتماما فقط، بل هو هم يتأكلهم ويعتصر منهم أعمق الأفكار وأحر الإحساسات، وهم مكافحون رأوا رؤيا التطور للخير والشرف؛ ولذلك هم دائبون في مطاردة الحيوان الذي يحرض على الأنانية والقبح والثراء الجنوني والمباراة الوحشية والنهم الجنسي.
هم أعداء فاروق، والمركبات الفاروقية الاجتماعية والسيكولوجية، من الاستبداد إلى الدنس إلى الثراء إلى القسوة إلى الجهل إلى الحيوانية. •••
الموضوع والهدف يعينان الأسلوب.
Shafi da ba'a sani ba