وحكوا عن بعض الخلفاء، أنه تأذى من إخلاء الكتب من ذلك في المؤامرات وغيرها. وقال الذين اختاروا ذلك لا نعرضهم للشكوك، ولا نكلفهم إعمال الفكر في المشكل، وأنه يجب أن نوضح لهم الشكوك ونضبط الحروف، بما يسبق معه المعاني إلى قلوبهم في أول وهلة.
ونسبوا الأصل في هذا إلى المأمون، وهذا ما لا يجمع المميزون عليه، ولا يلتفتون إلى ما يتأول فيه، لأن الأمر لو كان على ما يختاره من يشكل وينقط، لما وقع من الكتاب تصحيف، في كثير مما قرأوه في مجالس الخلفاء، حتى أحصيت عليهم غلطات سقطوا بها في عصرهم، وبقي عارها عليهم، كالذي صحف من " حامرطي " جاضرطي، والذي صحف بين يدي المأمون " البريدي " فقال الثريدي، فأمر المأمون أن يطعم، وقال: أبو العباس جائع - يعني وزيره ابن أبي خالد - فغذوه. ثم قرأ فلان الحمصي فقال: الخبيصي، فقال المأمون: ما في طعام أبي العباس خبيص فأطعموه.
وقرأ كاتب عبيد الله بن زياد كتاب عبيد الله بن أبي بكرة أنه وجد بعض الخوارج في شرب فقال عبيد الله: وكيف لي بأن أكون ممن يشرب هو ونظراؤه إنما هو في سرب أي سرداب. وكتب رجل من أغبياء الكتاب إلى صاعد بن مخلد كتابًا فصير العين غينًا ونقطعها من فوق ونقط الخاء من مخلد من أسفل فصيرها جيمًا. فقرأ كتابه صاعد بن مخلد فلم يفطن لذلك، ووقع فيه فخرج إلى
1 / 58