وحدثني الحسين بن يحيى الكاتب، قال: ادعى رجل على رجل مالًا، وأن معه به رقعة بخطه، فجحد الرجل الخط، وجعل يكتب بين يدي الناس فيحكمون أن الخط ليس خطه. ثم تراضيا بسليمان بن وهب، وما يحكم به في ذلك، فأحضر الخط والرجل، فقال: اكتب فأملي عليه كتابًا طويلًا، ردد فيه مثل الحروف التي في رقعته، فتبين سليمان أن الخط خطه، وأنه صنع في كتاب الرقعة، ولم يكتب على طبعه، بحروف دلته على ذلك، فحكم عليه سليمان، فاعترف الرجل بالخط، وأدى المال وعجب من ذلك. فقيل لسليمان: كيف وقفت على ذلك؟ فقال: إنه يصنع في الرقعة كلها إلا في أحرف قذفتها سجيته، ولم يحترس منها طبعه. ثم أنشد سليمان:
ولما أبت عيناي أن تطعم الكرى ... وأن يمنعا ذر الدموع السواكب
تثاءبت كي أبغي لدمعي علة ... وكم مع لوعاتي بقاء التثاؤب
ومن مليح التعلل في الدم ما حدثنا به محمد بن دينار قال: حدثنا مهدي البهدلي، قال: قال يسار لأبي العتاهية: يا عتبي أنا والله أستحسن اعتذارك في دمعك حيث تقول:
كم من صديق لي أسا ... رقه البكاء من الحياء
فإذا تأمل لامني ... فأقول ما بي من بكاء
لكن ذهبت لأرتدي ... فطرفت عيني بالرداء
فقال أبو العتاهية: والله يا أبا معاذ ما لذت في هذا إلا بمعناك، ولا اجتنيته إلا من غرسك في قولك:
1 / 44