نهر يزدجرد الذي يجري على باب هذا الدير. فبينا نحن نطوف الدير، ومعنا جماعة من أولاد الكتاب النصارى وأحداثهم، وإذا بفتاة كأنها الدينار المنقوش كما يقال، تتمايل وتتثنى كغصن ريحان في نسيم
شمال. فضربت بيدها إلى يد أبي الفتح وقالت: يا سيدي، تعال اقرأ هذا الشعر المكتوب على حائط
بيت الشاهد. فمضينا معها، وبنا من السرور بها وبظرفها وملاحة منطقها ما الله به عالم. فلما دخلنا
البيت كشفت عن ذراع كالفضة، وأومأت إلى الموضع، وإذا فيه مكتوب:
خرجت يوم عيدها في ثياب الرواهب
فسبت باختيالها كل جاء وذاهب
لشقائي رأيتها يوم دير الثعالب
تتهادى بنسوة كاعب في كواعبهي فيهم كأنها ال بدر بين الكواكب
فقلنا لها: أنت والله المقصودة بمعنى هذه الأبيات. ولم نشك أنها كتبت الأبيات، ولم تفارقنا بقية
يومنا. وقلت فيها هذه الأبيات، وأنشدتها إياها ففرحت:
مرت بنا في الدير خمصانه ساحرة الناظر فتانه
أبرزها الرهبان من خدرها تعظم الدير ورهبانه
مرت بنا تخطر في مشيها كأنما قامتها بانه
هبت لها ريح فمالت بها كما تثنى غصن ريحانه
فتيمت قلبي وهاجت له أحزانه قدما وأشجانه
وحصل بينها وبين أبي الفتح عشرة بعد ذلك. ثم خرج إلى الشام وتوفي بها، ولا أعرف لها خبر بعد
ذلك.
حدثني أبو محمد حمزة بن القاسم الشامي، قال:
اجتزت بكنيسة الرها عند مسيري إلى العراق. فدخلتها لأشاهد ما كنت أسمعه عنها. فبينا أنا في
تطوافي، إذ رأيت على ركن من أركانها مكتوبا بالحمرة: حضر فلان بن فلان وهو يقول: من إقبال
ذي الفطنة، إذا ركبته المحنة انقطاع الحياة، وحضور الوفاة. وأشد العذاب تطاول الأعمار في ظل
الإدبار. وأنا القائل:
ولي همة أدنى منازلها السها ونفس تعالى في المكارم والنهىوقد كنت ذا حال بمرو قريبة فبلغت الأيام بي بيعة الرها
Shafi 7