فلما أخذ الشراب منها قالت: أغنيك يا سيدي من غنائنا، على ضعف الصنعة؟ فكاد أن يهيم، وقال:
إن فعلت كمل والله ظرفك. فقامت فجاءت بشيء يسمونه القيقارة كذا، وضربت واندفعت تغني:
يا خاطبا مني المودة مرحبا سمعا لأمرك لا عدمتك خاطبا
أنا عبدة لهواك فاشرب واسقني واعدل بكأسك عن خليلك إن أبى
قد، والذي رفع السماء ملكتني وتركت قلبي في هواك معذبا
فنعر المتوكل وقال لي: ويلك! أميت أنت؟ فانتبهت، وعلمت أنني قد أخطات في ترك مساعدته.
فأخذت رطلا، فلم أزل أشرب حتى لحقته. ومضى لنا يوم كان في الأيام فردا. ثم أرغبها المتوكل
فأسلمت، وتزوجها. ولم تزل حظية عنده إلى أن قتل وهي في داره.
حدثني أبو محمد حمزة بن القاسم قال: حدثني رجل من أهل الفسطاط قال: كنت ممن يدرس كتب
المطالب ويقفو آثارها. ويسافر إلى مواضعها، أنا وجماعة من أهل مصر. فوقع إلينا في بعض الكتبخبر مطلب عظيم الشأن في بلاد اليونانية، بينه وبين مصر مسيرة ثلاثة أيام في طريق غير مسلوك.
فأخذنا صفه وتزودنا وسرنا بين آكام وجبال ورمال خفناها، حتى إذا مضت ثلاثة أيام أشرفنا على
سور عظيم منقور من حجر أبيض كالثلج فيه تلميع أسود كالجنازير التي تكون على السور، فكبرنا
الله جل اسمه وحمدناه. فلما قربنا من أحد أركان الحصن إذا عليه كتابة في بياض الحجر بسواد:
بسم الله الرحمن الرحيم. يقول فلان بن فلان بن فلان: من وصل إلى هذا الموضع بعدي فليعجب
من قصتي، وليرث لمحنتي، خرجت هاربا من الإملاق، وتضايق الأرزاق، فعدل بي عن السداد،
وتهت في البلاد، وبلغ بي الدهر إلى هذا القصر:
فيا ليت شعري متى ينقضي عنائي وتكشف عني المحن
Shafi 21