فيقال على الوجه الأول: إن قصة هؤلاء الذين اكتسبوا بإيمانهم نورًا، ثم أبطلوا ذلك الإيمان بنفاقهم، ووقعوا في حيرة عظيمة، كقصة من استوقدوا نارًا، ولما أضاءت ما حولهم، سلب الله منهم ذلك الضوء، فراحوا في ظلام لا يهتدون إلى الخروج منه سبيلًا.
ويقال على الوجه الثاني، وهو أن المثل مضروب في قوم لم يسبق لهم إيمان، وإنما دخلوا في الإسلام نفاقًا: إن قصة هؤلاء الذين دخلوا في الإسلام نفاقًا، قد ظفروا بحقن دمائهم، وبغنائم الجهاد، وسائر أحكام المسلمين، فتمتعوا بذلك في الدنيا قليلًا، ثم صاروا إلى ظلمات العذاب الدائم في الآخرة؛ كقصة من استوقدوا نارًا لتضيء لهم، وينتفعوا بها، فأضاءت ما حولهم قليلًا، ثم طفئت، وصاروا إلى ظلمة شديدة مطبقة.
﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾:
هذا خبر لضمير مقدر يعود على المنافقين؛ أي: هم صم بكم عمي. ووُصف المنافقون بهذه الصفات؛ لأنهم - وإن كانت لهم آذان تسمع، وألسنة تنطق، وأعين تبصر - لا يسمعون خيرًا، ولا يتكلمون بما ينفعهم، ولا يبصرون مسلكًا من مسالك الهداية، فقد صرف الله عنهم عنايته، ووكلهم إلى أنفسهم. ووردت هذه الصفات مجردة من حرف العطف، فلم يقل: صم وبكم وعمي، مع أنه يصح أن يقال: هو كاتب وشاعر وفقيه؛ لما عرف من استعمالات البلغاء أن تجريد أمثال هذه الأوصاف من حرف العطف يفيد تأكيدها؛ حيث إن المتكلم قد قصد إلى تقرير كل صفة منها على حدة.
﴿فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾:
أي: لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه، أو لا يرجعون عن الضلالة