ومعنى كون القرآن هدى للمتقين: أنه يزيدهم هدى على ما لديهم من الهدى، كما قال تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى} [محمد: 17].
ويصح أن يكون المعنى: هدى للناس الذين صاروا متقين بهذه الهداية، كما لو قلت: هديت مهتديا، أو كتبت مكتوبا، على معنى: أني هديت شخصا صار مهتديا بهذه الهداية، وكتبت خطابا صار مكتوبا بهذه الكتابة، وهو أسلوب عربي صحيح، كما ورد في حديث: "من قتل قتيلا، فله سلبه" (¬1).
{الذين يؤمنون بالغيب}:
الغيب: مصدر غاب يغيب، وكثيرا ما يستعمل بمعنى: الغائب، وهذا المعنى هو الظاهر من الآية، ومعناه: ما لا تدركه الحواس، ولا يعلم ببداهة العقل؛ كذات الله تعالى، وصفاته، وملائكته، واليوم الآخر.
والإيمان بالغيب: التصديق به على وجه الجزم، والتصديق الجازم لا يحصل إلا عن دليل، وقيام الآيات على صدق من أخبر بالغيب يجعل المؤمن بهذا الغيب مصدقا به عن دليل، فلا يحتاج في الإيمان بالملائكة والكتب التي نزلت قبل القرآن، والرسل الذين بعثوا من قبل، واليوم الآخر، إلى دليل زائد على الآيات التي قامت على صدق الرسول - عليه الصلاة والسلام -. أما الإيمان بالله، فإنما يحصل من الأدلة العقلية، ذلك لأن صدق الرسول في دعوى الرسالة لا يثبت إلا بعد الإيمان بالإله الحق.
Shafi 17