ثمّ قدم حلب بعد كتابه فاستنابه برهان الدين البلخيّ ولم يزل نائبًا عنه إلى أن مات فخزن عليه برهان الدين حزنًا غلب عليه ولمّا فرغ من الصلاة عليه التفت إلى الناس وقال: شمت الأعداء بعليّ لمت أحمد. ولم يزل برهان الدين البخليّ مدرّسًا بالمدرسة المذكورة إلى أن خرج من حلب لأمرٍ جرى بينه وبين مجد الدين أبي بكر محمّد بن نُوشْتكين بن الداية لما كان نائبًا عن السلطان بحلب وقصد دمشق فأقام بها إلى أن توفي يوم الخميس سلخ شعبان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. وتولّى المدرسة بعد خروجه منها الفقيه الإمام عبد الرحمان بن محمود بن محمد بن جعفر الغَزْنويّ أبو الفتح وقيل أبو محمد الحنفيّ الملقب علاء الدين فأقام بها مدرّسًا إلى أن توفي بحلب ليبع بقين من شوّال سنة أربع وستّين وخمسمائة وتولّى تدريسها بعده ولده محمود وكان صغيرًا فتولّى تدبيره وتربيته الحسام عليّ بن أحمد بن مكّي الرازيّ الورديّ وكان فقيهًا فاضلًا. ثمّ ولي بعده تدريسها الإمام الفاضل رضي الدين محمّد بن محمّد بن محمّد أبو عبد الله السَرَخْسيّ صاحب كتاب المحيط كان قد قدم حلب فولاّه نور الدين محمود بن زنكي التدريس بالمدرسة وكان في لسانه لكنة فتعصّب عليه جماعة من الفقهاء الحنفيّة بحلب وصغّروا أمره عند نور الدين وكانت وفاته يوم الجمعة آخر جمعة في شهر رجب سنة إِحدى وسبعين وخمسمائة. فكتب نور الدين إلى عالي بن إبراهيم ابن إِسماعيل الحنفيّ أبي عليّ الغَزْنَويّ البلقيّ وكان بالموصل في الوصول إلى حلب ليولّيه تدريس المدرسة واتّفق أن أبا بكر بن مسعود بن أحمد الكاسانيّ الملقّب علاء الدين أمير كاسان وكاسان بلدة من فَرْغانة سُيّر رسولًا من الروم إلى نور الدين فعرض عليه المقام بحلب والتدريس بالمدرسة الحلاّويّة فأجابه إلى ذلك ووعده أن يعود إلى حلب بعد ردّ الجواب بالرسالة فعاد إلى الروم ثمّ قدم حلب واتّفق قدومه وقدوم عالي الغَزْنَويّ من الموصل فولي عالي التدريس بالمدرسة الحلاّويّة يومًا واحدًا ثمّ أنّ نور الدين استحيا من علاء الدين الكاساني فاستدعى بابن الحليم مدرّس مدرسة الحدّادين إلى دمشق وولى عالي الغَزنَويّ مكان ابن الحليم ثمّ ولي علاء الدين تدريس الحلاويّة ولم يزل علاء الدين بها إلى أن تُوفي يوم الأحد بعد الظهر عاشر رجب سنة سبع وثمانين وخمسمائة وكان من ذوي التحصيل والتفريغ والتأصيل صنّف التصانيف البديعة في أحكام الشريعة والكتب التي سار في الآفاق ذكرها واستوى في شياعها خَبرها وخُبرها. وولي التدريس بعده الإمام افتخار الدين عبد المطّلب بن الفضل بن عبد المطلّب بن عبد الملك بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس صاحب الرواية العالية الفاخرة والدراية الزاهية الزاهرة شرح الجامع الكبير شرحًا مستوفى وقام بما شُرط فيه ووّفى ولم يزل مدرّسًا إلى أن تُوفي في جمادي الآخرة من سنة ستّ عشرة وستمائة. فولي تدريس المدرسة بعده ولده الإمام العلاّمة تاج الدين أبو المعالي الفضل وكان قد جمع بين العلم والكرم وأصبح فيها كنار على علم ولم يخلُ من كان بحلب أو دخلها من الفضلاء والمستفيدين من فوائده ولا عطل جيّد واحد منهم من بوادئ جوده وعوائده خلع في يوم تدريسه عشرين خلعة على من حضر درسه من متميّزي الفقهاء واستمرّ مدرّسًا معظّم المكانة إلى أن توفيّ فجأةً في أواخر سنة ثلاث وثلاثين وستّمائة. فولي تدريسها بعده في أوائل سنة أربع وثلاثين الصاحب الإمام العلاّمة جامع أشتات الفضائل المبرّز في معلوماته على الأواخر والأوائل المضيف إلى عالي الرواية عظيم الدراية الوافر الحظّ من حسن الخطّ المحرّر لما يرويه بالإتقان والضبط جمع خطّه بين تحرير الأصول ورونق الجمال وحاز فيه قصب السبق فأضحى يُباري ابن هلال وحقّق نعته أنّ الأسماء تنزل من السماء حين لُقّب بالكمال كمال الدين أبو القاسم عمر بن قاضي القضاة نجم الدين أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة المعروف بابن العديم ولم يزل مستمرًّا على تدريسها إلى أن قصد دمشق في خدمة السلطان الملك الناصر فولي تدريسها استقلالًا ولده الإمام العلاّمة الزاهد العابد الخطيب قاضي القضاة مجد الدين أبو المجد عبد الرحمان لما جُمع له من العلم والعمل وارتوى من الرواية التي في علوّها المشايخ الأوّل وانقضت الدولة الناصريّة الدولة الناصريّة وهو بها
1 / 39