وكان معه كلب كبير بجانبه، وهو طويل الأذنين أسود الجلد، وله عينان تضيئان كعيني صاحبه، يوافق صاحبه، فيسير لسيره ويقف لوقوفه، وكلاهما ساكتان ينظران إلا الأفق المربد، ويهبطان من قمة عالية إلى واد ضيق.
وما زال على سيره حتى خرج من ذلك الوادي، وظهرت له عن بعد أنوار قصر فخيم، وبجانب ذلك القصر نور ضعيف كانت نسبته إلى تلك الأنوار المتألقة كنسبة شمعة الجنازة إلى أنوار المراقص.
فسار الرجل بكلبه إلى مكان ذلك النور، وفيما هو سائر رآه أحد الرعاة، فهلع قلبه من الخوف واستعاذ بالله، وحاد عن طريقه مسرعا.
أما الرجل فإنه هز كتفيه، وأسرع في سيره إلى جهة ذلك النور غير مكترث لما رآه، حتى انتهى إلى ذلك القصر الفخيم، وسمع أصوات الضحك منه، ولكنه سمع أيضا صوتا يشبه الأنين، استرعى كل سمعه.
وكان هذا الصوت خارجا من منزل حقير في حديقة القصر، وهو المنزل الذي كان يضيء فيه النور الضعيف، فتكتف الرجل، ووقف بجانب ذلك المنزل يصغي إلى ذلك الصوت.
الفصل الثاني
وقد سمع صوت امرأة تقول وهي تبكي: «أيتها العذراء الطاهرة، يا نصيرة الضعفاء وغوث الأطفال، أترضين أن يموت ولدي وليس لي سواه؟
إنه أول ثمرة من ثمرات حبنا، وإنه عزاؤنا الوحيد في أعمالنا الشاقة، فزوجي السيئ الحظ يشتغل من الفجر إلى المساء في سبيل رزقنا، وأنا لم أسئ إلى أحد بالفعل أو بالقول، حتى ولا بالضمير، وما خالفت وصية من وصايا الله.
أيتها العذراء، إننا فقيران ولا ثروة لنا إلا هذا الطفل، وهو يفضل عندنا كنوز الأرض، أتأذنين بغروب شمسه وأنت تعرفين قلوب الأمهات؟»
وكانت تستغيث هذه الاستغاثة بصوت يقطعه البكاء، وهي لا تزال في سريرها من تأثير الولادة، تعض يديها من الجزع، وتنظر إلى طفلها في مهده نظرات ملؤها الحنو والشفقة، ثم تنظر إلى زوجها وهو جاث يهز المهد، فتقول: «لقد نذرت، يا حنا نذرا، أرجو أن تتمكن من وفائه، وهو أنه إذا شفي ولدنا ذهبت وإياك حافيين لزيارة مقام السيدة.»
Shafi da ba'a sani ba