قال: كلا، فلم أكن من المخطئين. - ولكن ماذا تحسب؟ - تعال معي، فإني أتمنى أن أكون مخطئا، ثم أخذ مصباحا، وخرج إلى الحديقة، فتبعه الطبيب وباكيتا، وكانت السماء قد أمطرت في بدء الليل، فرطبت الأرض، فمشى البرنس إلى جهة النافذة وهو يصوب أشعة مصباحه إلى الشجرة الكائنة بجانب النافذة ويقول: لقد خيل لي أني سمعت صوت انكسار غصن، ثم جعل ينظر إلى الأرض المبتلة تحت الشجرة، فصاح فجأة قائلا: انظرا! انظرا!
ذلك أنه رأى عند جذع تلك الشجرة آثار قدمين، ورأى غصنا منكسرا حديثا ساقطا إلى الأرض، وقد جعل ينظر إلى آثار القدمين نظرات تشف عن الرعب، فقالت له: باكيتا ماذا ترى؟
قال: أرى آثار قدمي فيلكس، فإنه يلبس حذاء طويل الكعب كما تعلمين، ولا شك أنه كان جاثما فوق تلك الشجرة، وقد أصغى إلى حديثنا وسمع الحكم عليه بالموت.
فصاحت باكيتا صيحة خوف شديد، وسقطت بين ذراعي الطبيب، أما البرنس فإنه جعل يسير راكضا إلى جهة القصر.
وقد ظهر له - وهو يركض - نور في معمل فيلكس، فأيد هذا النور ظنونه، فأمعن في الركض، حتى إذا وصل إلى السلم سمع صوتا يشبه صوت وقع المطارق، فصعد درجات السلم أربعا فأربعا، وكان كوكلين قد تمكن من لحاقه وهو يحمل باكيتا بين ذراعيه، أما الصوت فقد كان يزيد وضوحا كلما اقترب البرنس من المعمل، ثم سمع البرنس صوت شارنسون قد امتزج مع تلك الأصوات، وصحا خدم القصر، فتسارعوا من كل صوب حتى إذا وصلوا إلى باب المعمل سمعوا شارنسون يقول: ما هذا الذي تصنعه، لعلك جننت؟!
وكان باب المعمل مقفلا من الداخل، فدفعه البرنس بكتفه فانفتح وتجلى له عند ذلك منظر غريب، فإنه رأى فيلكس واقفا أمام تمثاله وبيده مطرقة، وقد حطم بها للمرة الثانية ذلك التمثال، وأصابه بما أصاب به التمثال الأول بعد ما بذله من الجهد العنيف في إعادة صنعه بالرغم عن اعتراض شارنسون.
وقد وقف البرنس والطبيب وباكيتا حائرين منذهلين، ينظرون إلى فيلكس، وهم لا يشكون في أنه من المجانين.
أما فيلكس فإنه نظر إلى الطبيب وقال وهو يبتسم: لقد حكمت علي يا سيدي الطبيب منذ هنيهة بالموت، وقلت: إن اليوم الذي ينتهي فيه صنع تمثالي يكون أول أيام نزعي ولذلك حطمت التمثال لأني لا أريد أن يتم؛ إذ إني لا أريد أن أموت.
الفصل الخامس والعشرون
يوجد في مدينة باي في سويسرا فندق يعرف باسم «فندق الملوك الثلاثة»، واشتهر أنه خير فنادق سويسرا، ولا سيما بردهته المتسعة التي كانت مياه الرين تنساب تحتها انسياب الأفاعي، وتظهر من يمينها الجبال المعممة بالثلوج البيضاء، ومن اليسار بسط الخضرة الزمردية؛ ولذلك كان يكثر اختلاف الناس إليه، وكلهم من الأغنياء وأصحاب المقامات العالية.
Shafi da ba'a sani ba