ولعلنا تسهلنا بعض التسهل إذ قلنا: إن أبا العلاء وسائر أبناء البيئة سواء ... فإنه لأشد تحرجا من كثيرين، وإنه ليحظر على نفسه ما يبيحه آخرون، وإنه ليحسب الوقار جمالا لا يدانيه جمال في الرجال، فإن حذر من الشيخوخة آفة فإنما يحذر أن يدركه الخرف:
وما أتوقى والخطوب كثيرة
من الدهر إلا أن يحل بي الهتر
وإذا رثى أباه في صباه وهو يتخيل موقف الحشر ورهبة القيامة وزحام العطاش على الحوض فليس ينسى أن يسأل عن ذلك الأب:
ألا ليت شعري هل يخف وقاره
إذا صار أحد في القيامة كالعهن
وهل يرد الحوض الروي مبادرا
مع الناس أم يأبى الزحام فيستأني؟
فكأنه يقف بالدين والفلسفة عند باب العقل، ثم يقف بالعقل عند باب الوقار أو أدب اللياقة، ثم لا يسأل هذا السلطان الجائر سؤالا واحدا من تلك الأسئلة التي كان يشنها من كل جانب على جميع السلاطين وجميع الدولات وجميع الأحكام، ولو أنه سأل وأباح نفسه الجواب الصريح لما أخذها بكل تلك الصرامة ولا أحال عليها كل تلك القيود.
أما مرجع ذلك السلطان الجائر من حياة أبي العلاء فهو أسباب كثيرة وليس بسبب واحد:
Shafi da ba'a sani ba