Chefs, artistes et littérateurs
زعماء وفنانون وأدباء
Genres
وبكى الزائر المجهول، وأصر على أن يقبل يد قاسم أمين، فرفض قاسم وقال له: لا تمنح قبلتك إلا لامرأة؛ زوجتك، أمك، أختك، فإذا كانت المرأة التي تقابلها ليست الزوجة ولا الأم ولا الأخت، فمن حقك، بل من واجبك، أن تقبل يدها! وهذا هو الفرق في معاملة الرجل والمرأة!
كان ذلك في عام 1907، وكانت دعوة قاسم أمين إلى تحرير المرأة قد لقيت ضجة في الرأي العام، وقد تحمس المتزمتون لمحاربة الثائر المفكر المصلح، واتهموه بشر التهم، وحمل عليه رجال الدين حملة شعواء، وتصدى للرد عليه في كتاب خاص شاب أصبح فيما بعد من أكبر الشخصيات العظيمة التي بنت اقتصادنا، وساهمت في تصنيع بلادنا؛ وهو طلعت حرب باشا!
وقبل أن يموت طلعت حرب، كان بين موظفي البنك الذي أنشأه بضع فتيات، ورفعت ابنته الحجاب، وأعطاها والدها حق الموافقة على الزواج من خطيبها محمد رشدي، الذي صار رئيس مجلس إدارة بنك مصر فيما بعد.
وكان أصحاب الرأي، وقادة الفكر، يكتمون إعجابهم بشجاعة قاسم أمين، وبرغم ما يربطهم به من صلات الصداقة والزمالة، لم يستطيعوا أن يجازفوا بتأييده في دعوته الخطيرة؛ خوفا من أن تنالهم ألسنة السوء!
أيد لطفي السيد قاسم أمين بتحفظ وحذر، التزم سعد زغلول الصمت، فلما أصبح زعيما للبلاد في عام 1919، شجع حركة السفور التي قامت بها في تلك الأيام هدى شعراوي وأم المصريين !
ولكن هذا التأييد وهذه الحركة جاءا بعد وفاة قاسم أمين بحوالي أحد عشر عاما!
وما دعا إليه قاسم أمين في كتابيه «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة»، قد يبدو الآن أمرا عاديا، ولكنه في تلك الأيام كان ثورة اجتماعية عميقة، زلزلت الأفكار والآراء.
وإذا كانت الثورات تستمد قوتها ونماءها من اندلاعها ساعة وقوعها، فإن الثورة التي قام بها قاسم أمين لم تشتعل عندما حدثت، فقد قاومها العرف والتقليد، والمتصدون للدفاع عن الأديان والعقائد، قاومتها جمهرة الشعب؛ لأنها لم تكن قادرة على فهم الدعوة، وقاومها الحكام والإقطاعيون ليحتفظوا بمظاهر الجاه المتمثلة فيما يملكونه من حريم! وقاومها الاحتلال البريطاني خوفا من أن يرميه الشعب بمساعدة الداعين إلى خرق العادات والتقاليد!
ولقد قدر قاسم أمين ما ستثيره دعوته المضنية من النفور والخوف والفزع، ولكنه لم يبال ذلك، في سبيل ما يؤمن بأنه حقيقة، ولقد مهد لكتابه «تحرير المرأة» بمقدمة قال فيها:
هذه الحقيقة التي أنشرها اليوم، شغلت فكري مدة طويلة، كنت خلالها أقلبها، وأمتحنها، وأحللها، حتى إذا تجردت من كل ما كان يختلط بها من الخطأ، استولت على مكان عظيم من موضع الفكر مني، وصارت تشغلني، وتنبهني بمزاياها، وبالحاجة إليها؛ فرأيت أن لا مناص من إبرازها!
Page inconnue