Chefs, artistes et littérateurs
زعماء وفنانون وأدباء
Genres
كان مولد الكواكبي في مدينة حلب عام 1848، ومات في القاهرة عام 1902، وقد تعلم في بلده، وأتقن اللغتين الفارسية والتركية، واعتمد في صقل مواهبه وتنمية ثقافته على الكتب التي تصدر بهاتين اللغتين، وعلى الكتب العربية، وأفاد من احتكاكه بالمناقشة والجدل مع المتابعين للثورة الفكرية في أوروبا، وقد تلقى من هؤلاء معلومات فتح بها آفاقا جديدة لدعوته التي حددها في نقطتين: رفع كلمة الأمم الإسلامية، وتقويض دعائم المستبدين، وبخاصة دولة آل عثمان.
وقد بدأ حياته صحفيا في جريدة تصدر باللغتين العربية والتركية اسمها «فرات»، ثم أصدر بضع صحف في حلب، وكان يهاجم فيها السلطان وأعوانه، ويدعو إلى قيام خلافة روحية «قرشية»، واتهمه خصومه بأنه يريد أن يكون هو خليفة المسلمين، وأكدوا اتهامهم هذا بحرص الكواكبي على توضيح انتسابه إلى قريش، واعتزازه بمجد الآباء والأجداد.
ولم يتمكن الكواكبي من أن يرفع صوته في حلب، إلا بقدر ما نشر من مقالات «أم القرى»، التي دعا فيها إلى قيام جامعة إسلامية.
وكان على الرغم من حدته في التعبير عن آرائه يتهيب سطوة القانون، فلم يحض على ثورة دموية كما كان يعمل المصلح الثائر المفكر جمال الدين الأفغاني؛ كان حريصا في مهاجمة الاستبداد على أن تكون المهاجمة في إطار «قانوني»، فلا يتهم مستبدا بعينه، ولا يحدد شخصيات بالذات.
وعندما أقام في مصر ونشر مقالاته عن «طبائع الاستبداد»، لفت إليه الانتباه من المفكرين والثائرين وكسب احترامهم ومودتهم، ومع ذلك كان يجالسهم في حذر، ويناقشهم في حذر؛ فقد يكونون جميعا من الأحرار الثائرين، ولكن مفاهيمهم للحرية والثورة كانت مختلفة متباينة، ففيهم الثائرون على كل شيء، وفيهم الثائرون على شيء والراضون عما عداه من الأشياء!
وهؤلاء لا يريد أن يغضب أحدا منهم، فليس من السياسة أن يعادي من يحتفون به، وقد كان - بتكوينه الذهني وبحكم التجارب التي تمرس بها - شخصية سياسية من طراز ممتاز.
وكانت مصر في تلك الأيام نهبا لتيارات فكرية ثورية ضد الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، وضد الخديو، وضد الخليفة السلطان عبد الحميد، الذي استعبد المسلمين عندما كانت دولته قوية، وتعقب أحرارهم بالدسائس والاغتيالات، بعدما صارت الخلافة والسلطنة ودولة آل عثمان عناوين ضخمة ليس لها موضوعات!
وكان من يحارب الإنجليز يتحالف مع الفرنسيين أو مع الخديو أو مع السلطان، ومن يحارب واحدا من هؤلاء ومن الأعداء يتحالف مع عدو آخر، أو يتحالف مع بقية الأعداء.
وكانت مصر مركز إشعاع للفكر الثوري المتمرد على الاستعباد بكل أنواعه وأوضاعه، فهذا البلد الجذاب بآثاره وتاريخه، بلد سياحي يستقبل السياح العاديين ويودعهم بحفاوة أو بغير اكتراث، فإذا زارته عبقرية فذة، أصبح البلد السياحي مقرا دائما للعبقرية الفذة، ووطنا أصيلا لصاحب العبقرية.
ولقد كان عبد الرحمن الكواكبي عبقريا طاف بكثير من البلاد، ولم تطل إقامته فيها، ولم يجد في أي بلد طاف به ظروفا تسمح له بتأدية رسالته، فلما طاف بمصر، أحس أنها الحرم الآمن الذي يفتح له رحابه؛ ليذكر كما يشاء ويعتبر كما يشاء.
Page inconnue