Les leaders de la réforme à l'époque moderne
زعماء الإصلاح في العصر الحديث
Genres
ثم وثق الصلة بين المدرسة والقصر، وكان الخديوي إسماعيل قد عزل وحل محله الخديوي توفيق، فتقرب النديم إليه واستزاره المدرسة فزارها، ورجا منه أن تنسب الرياسة لولي عهده «عباس»، فقبل وأغرم بتعليم التلاميذ الخطابة، فكان ينتهز كل فرصة لإقامة الحفلات يخطب فيها، ويحضر الخطب لتلاميذه ليخطبوها، ثم يمرنهم أن ينشئوا الخطب لأنفسهم، ويصلح خطأهم ويرشدهم، فأسس بذلك نخبة يحسنون التحرير، ويحسنون القول. ولم يكتف بذلك، بل خرج بالمدرسة على ميدان الحياة العامة، فكان يحضر بعض الروايات التمثيلية في نقد بعض العيوب الاجتماعية، ويمثلها هو وتلاميذه في بعض الملاهي العامة، من ذلك أنه أنشأ روايتين اسمهما «الوطن وطالع التوفيق» و«العرب» ومثلهما في «تياترو زيزينيا» حضرهما الخديوي توفيق، ونجح فيهما نجاحه أعلى ذكره.
ولكن ظهر فساد في الجمعية نسبوه إليه، ففصل من المدرسة ومن الجمعية.
عند ذاك اتجه إلى إنشاء صحيفة، وحبب إليه ذلك سابقة اتصاله بصحيفتي أديب إسحاق وسليم نقاش، ومرانته على الكتابة فيهما، وشعوره بأن الناس أعجبوا بما كتب، وأنه كان يكتب فيستغل أصحاب الصحف مقالاته مادة ومعنى فلا يؤجرونه على ما كتب، وكثيرا ما يضنون عليه حتى بذكر اسمه في ذيل مقالاته، بل يتركون القارئ يفهم أنها لهم ومن إنشائهم.
فأخرج صحيفة سماها «التنكيت والتبكيت» وفي هذا الاسم دلالة على غرضه وأسلوبه، فهو يرمي إلى تأنيب المصريين على ما وصلوا إليه، في أسلوب قد يكون لاذعا وقد يكون مضحكا.
وظهر العدد الأول منها في 6 يونية سنة 1881، ودعا فيه الكتاب أن يوافوه بمقالاتهم ونتاج قرائحهم على النهج الذي رسمه: كونوا معي في المشرب الذي التزمته، والمذهب الذي انتحلته، أفكار تخيلية، وفوائد تاريخية، وأمثال أدبية، وتبكيت ينادي بقبح الجهالة، وذم الخرافات، لنتعاون بهذه الخدمة على محو ما صرنا به مثله
10
في الوجود، من ركوب متن الغواية، واتباع الهوى اللذين أضلانا سواء السبيل.
وفي الحق أن هذه الصحيفة كانت عجبا في موضوعاتها وأسلوبها.
انظر العدد الأول: تجد تنكيتا وتبكيتا لأكبر المصائب التي كان يحسها ذلك العصر: مقال عنوانه «مجلس طبي لمصاب بالإفرنجي»، وهي قصة شاب صحيح البنية، قوي الأعصاب، جميل الصورة، لطيف الشكل، في رقة ألفاظ وعذوبة كلام، وفي عزة ومنعة لا يشاركه فيها مشارك ، يلتف حوله أهله يعززونه ويؤازرونه حتى لا تمتد إليه يد عدو، ولا حيل محتال. وبينما هو في ذلك تسلل إليه أحد الماكرين يتظاهر بالصلاح والتقوى، ويضمر الختل والغدر، فأسلمه إليه أهله انخداعا به. فعرضه هذا الماكر على الأسواق يريه من الغواني من تعارض الشمس بحسنها، وتكسف البدر بنورها، فمانع حينا، ولكنه رأى أهل بيته وقعوا في مثل هذه الغواية، وانغمسوا في مثل هذه الضلالة، فسار سيرهم، وترك النفار والآباء، وسار في الطريق الذي رسمه المنافق الخادع، فما سار فيه حتى أصيب بالداء الإفرنجي (الزهري) فاصفر وجهه، وارتخت أعضاؤه، وذهبت بهجته، غارت عيناه، وتشوه وجهه، وتبدلت محاسنه بقبائح تنفر منها الطباع، وتمكن الداء منه، وسرى في دمه وعروقه، فصار يقلب طرفه لعله يجد من قومه من ينقذه من مرضه.
واجتمع الأطباء من قومه يفصحون الجسم، ويشخصون مرضه، ويقفون على أصله، ويركبون الدواء ليقف سريان الدواء، ويتعلق بهم أهل المريض يسألونهم الإسراع في معالجته: والاجتهاد في دفع مصابه، فطمأنهم الأطباء ونصحوا لهم بالهدوء والتحرر ممن كانوا السبب في الدواء. حتى لا يفسدوا العلاج، وابتدءوا يعملون بمشورة الأطباء ويبذلون الجهد في معالجته.
Page inconnue