بعد أن كبرت بدور وتزوجت زكريا الخرتيتي، أدركت لماذا يقترف زوجها خياناته الجنسية، كيف يتسلل من فراشها إلى نساء أخريات، فإن ضبطته يشوح في وجهها بيده قائلا: ده حقي ربنا إداهولي، ويعني جوزك حيكون أحسن من النبي؟
منذ اكتشفت خيانته الأولى لم تعد بدور تطيق أن يلامسها زوجها بيده، فما بال أن ترقد تحته ليدخلها؟ كان منظر جسده العاري يبعث فيها شعورا بالغثيان، تتركه عاريا في السرير لتدخل إلى الحمام ، تتقيأ بصوت مكتوم، تخشى أن يسمعها. في أعماقها خوف دفين منذ الطفولة لا تعرف مصدره، في أعماقها نفور من زوجها وشك فيه، ومن كل ما يقوله لها. إن قال لها إنه خارج لحضور اجتماع أو مؤتمر، تدرك أنه ذاهب إلى ليلة حمراء مع إحدى النساء أو البنات. منذ ولدت تسمع النساء من حولها يرددن: يا مآمنة للرجال يا مآمنة للمية في الغوربال.
تتقلب بدور في السرير مؤرقة. - كيف تستمر في الحياة مع زوج خائن؟ - كيف ترقد إلى جواره في سرير واحد.
هي كذبت عليه مرة واحدة، هو يكذب عليها كل يوم على مدى عشرين عاما، ثلاثين عاما، مائة عام.
هل عرف أنها كذبت عليه؟ أنها أحبت نسيم وهي في التاسعة عشرة من عمرها، سارت إلى جواره في المظاهرة الكبيرة، فتح عينيها على الظلم فوق الأرض وفي السماء، أزاح الغشاوة عن عقلها، منح جسدها اللذة المحرمة. قطفت معه الثمرة من فوق الشجرتين الآثمتين، شجرة المعرفة وشجرة الحياة، أصبحت مثل الله عارفة الخير والشر، الخير هو العدل والحرية كما قال لها نسيم، والشر هو الظلم والقيود.
لم تكسر بدور قيودها، تتقلب في فراشها مؤرقة، المقلتان في وجه المولودة كالقذى في عينيها، منذ أن انفتحت الجفون المغلقة، منذ أن أطلت عليها في تلك اللحظة الساقطة من الزمن الخارقة لقانون الطبيعة، حملقت فيها المقلتان بهذا الضوء الكاشف، رأت بدور نفسها الجبانة؛ قلبها النازف فرق الرصيف، كبدها المنزوع من صدرها المشقوق بالسكين.
لو لم تفتح جفونها تلك اللحظة لربما نسيتها، لربما أصبحت تنام كما ينام البشر، لربما واصلت حياتها ونجاحها في مهنة النقد الأدبي، لربما لم تطاردها بدرية بطلة الرواية وصديقها نعيم. هذان الشبحان الجاثمان فوق رأس السرير، تراهما بلحمهما ودمهما إلى جوارها في الفراش، إن غادرا الفراش تراهما فوق الجدار خيالا يمشي، يروح ويجيء، من أول الجدار حتى آخره، ثم يعود إلى أول الجدار، ويمضي إلى آخره. لا يغادر غرفة النوم إن نامت، لا يغادر غرفة مكتبها إن جلست أمامها الأوراق تكتب، تلوح أبيات عمر الخيام أمام عينيها. ما الفرق بين الله والإنسان إذا كان الله يقابل الشر بالشر، بل بشر أفظع وأكثر قسوة، يحرقها في النار إلى أبد الآبدين لمجرد لحظة واحدة عرفت فيها اللذة أو السعادة؟ يحرمها الله من طفلتها إلى أبد الآبدين لمجرد أن رجال البوليس قتلوا أباها قبل أن يوقع عقد الزواج؟ يؤرقها الشك في عدالة الله، وبالتالي في وجوده، تفقد الإيمان في النوم، يرهقها الأرق والحزن الدفين المكتوم في أحشائها، تطرد الشك، تعود إلى الإيمان حين تصحو. تدرك أن الإيمان يجلب السعادة مثل الخمر، مثل نبيذ عمر الخيام الأحمر.
في الدرج الأسفل لمكتبها كانت تخفي الزجاجة مع دوسيه الرواية، تشرب كأسا تطرد الحزن. بعد الكأس الثالثة يصبح عقلها مفتوحا على الأفق، تسمع أصوات الآلهة والشياطين يتجادلون، يكسر جسدها القيود، يحلق مع عقلها وروحها في الفضاء الواسع، تصبح طويلة القامة رشيقة الحركة مثل بدرية. تكتسب الشجاعة، تمسك القلم وتكتب فصلا جديدا في الرواية، حتى تسمع وقع القدمين فوق الصالة أو صوت المفتاح يدور في الباب، أو ترى خيال زوجها يمشي فوق الجدار، يكاد يشبه خيال الله حين كانت تراه في طفولتها، يمشي في السماء وراء السحابة، أو خيال إبليس الشيطان يتحرك فوق رأسها في السرير. تكاد إصبعه الصلبة كالمسمار تخرق بطن قدمها اليسرى، من ناحية اليمين كانت إصبع الله تخرق بطن قدمها اليمنى، مثل قضيب من الحديد.
حين يسمع منها الطبيب النفسي هذه الذكريات عن طفولتها يقول لها: أنت يا بدور تعرضت للاغتصاب حين كنت طفلة، لكنك تنكرين ذلك خوفا من الله. - لا لا يا دكتور، لا يمكن أبدا. لم يحدث أن لمسني رجل في الواقع والحقيقة، إنها أحلامي الآثمة يا دكتور. أيوة، أعترف أنني اقترفت كثيرا من الآثام، وأنا غارقة في النوم يا دكتور.
صوت الطبيب النفسي يسري في أذنها وهي تتقلب في الفراش، تمد يدها لتضغط على مفتاح النور، ينتفض جسدها حين ترى السرير العريض خاليا من جسد زوجها. الساعة الثالثة صباحا، خرج في الثامنة مساء إلى اجتماع مجلس التحرير في الجريدة. - أيستمر الاجتماع سبع ساعات؟
Page inconnue