وكنت كلما حاولت أن أوجههم فقط على المائدة غضب ثروت وقال: دعينا (أي هو والأولاد) في حالنا وكفى نكدا. - ولم تدخل نفسك مع الأطفال وأنا لم أوجه إليك الحديث؟ - أنت دائمة الانتقاد ولا تدعين الأولاد وشأنهم. - إنه واجبي، ويجب علي أن أعلمهم كيف يأكلون، وإذا لم أفعل فمن يفعل ؟ وإذا لم أقم بواجبي فما جدوى وجودي في الدنيا؟ - إنني لا أحتمل أن أرى أولادي باكين دائما. - إنني أربيهم. - بالله دعينا وشأننا.
وتنتهي المناقشة بأن أترك الغرفة محتجة وأجلس وحدي، ويبقى هو والأولاد سعداء هانئين.
ويرى زوجي أنني إذا طلبت من أمينة طلبا ورفضت وعاقبتها أنا وعنفتها فأنا ظالمة، وإذا شكت لي ناظرة المدرسة أحد الأولاد وأخذت جانبها فأنا أم غير طبيعية وأريد أن أدعي العدل؛ وما علي إذن إلا أن أتحمل اعتراضات زوجي وتمرد أولادي ولكن لا أكف عن التوجيه.
كانت عادتنا في الشتاء أن نأخذ أولادنا معنا في الغرفة وأمامنا التليفزيون في ليلة الأحد وهي ليلة عطلة المدرسة، وفي مرة حرمت أمينة - وكان عمرها أربع سنوات - من مشاهدة التليفزيون معنا عقابا لها على ذنب لا أذكره الآن، وكانت تفتح الباب علينا وتقول في عذوبة مصطنعة: أنا غلطانة، أنا وحشة.
ثم تغلق الباب وتختفي قليلا ثم تعود وتقول في رقة تمثيلية: لك حق تذنبيني يا مامي.
وتغلق الباب وتختفي ثانية؛ فنظر إلي ثروت في تحد وقال: إن لم تأت أمينة معنا الآن فسأبكي.
وهكذا كان عطفه وحبه لأولاده زائدا عن الحد.
وتستطيع الشيطانة الصغيرة أن تناقش ساعات وساعات دون ملل، شعارها «أنا وبعدي الطوفان.» وتعود وتقول وهي في الخامسة عشرة: هاتي يا ماما العطر الذي تستعملينه. - لماذا؟ إنني أحبه. - وأنا أيضا، ثم إن عندك غيره. - وأنت أيضا. - أعطيني نصفه. - أهذا استخسار؟ - إذن أعطيني هذه الأسورة التي في يدك. - أنت لا تلبسين ولكنك تضيعين. - أعطيني ظل العين. - إن حجرتك تفيض بأدوات الماكياج، فهل هذه الأدوات القليلة هي التي تعجبك؟ - أنا شابة صغيرة. - وأنا ما زلت على قيد الحياة ومن حقي أن أتجمل ما دمت لا أحرمك من شيء. - أعطيني الكتاب الذي تقرئين. - إنني لا أستطيع أن أحصي عدد الكتب التي بدأتها ولم أكملها بسبب مصادرتك لها، قولي بالمرة: إنك تريدين الهواء الذي أتنفسه. - أريد الهواء الذي تتنفسينه.
وتبتسم ابتسامة فداؤها الحياة.
ودخل أبوها وهي تطلب مني الهواء الذي أتنفسه فضحك من أعماق قلبه وربت على شعرها، وأظن أنه لم ير أن أمينة تطلب أمرا عجيبا.
Page inconnue