) وتلك الأمثالُ نضربها للناسِ (الآية فعدها منة على الناس لمّا فيها من عظيم الفوائد. وقال تعالى:) وسكنتم في مساكن الذينَ ظلموا أنفسهم وتبينَ لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال (إشارة إلى أنه لا إلتباس ولا إشكال بعد ضرب المثل ومع ذلك لم يعتبروا. وضرب النبي ﷺ الأمثال الكثيرة للناس، وسيأتي من جميع ذلك ما فيه غنية في محله أن شاء الله تعالى. ولم يزل إلى الآن المدرسون وشيوخ التعليم والتربية يضربون الأمثال في كل أمر، وكذا غيرهم. وكتب عمر ﵁ إلى الأنصار: علموا أولادكم العوم والفروسية، ورووهم ما سار من المثل وما حسن من الشعر. فهذا حض على تعلم الأمثال خصوصا السائرة، فإنها أقطع للنزاع والشغب، وحض على تعلم الشعر. ولمّا بعث سعد بن أبي وقاص ﵁ رسله إلى رستم صاحب جيوش فارس أيام القادسية فرجعوا، وبعث أليه آخرين يدعونه إلى الإسلام أو الجزية، قال لهم رستم: إني قد كلمت منكم نفرا، ولو أنهم فهموا عني لرجوت أن تفهموا، والأمثال أوضح من كثير من الكلام؛ وسأضرب لكم مثلكم: إنكم كنتم في بلاء وجهد وجوع، فأتيتم بلادنا فلم نمنعكم، فلما أكلتم طعامنا وشربتم شرابنا وأظلكم ظلنا وصفتم ذلك لقومكم فأتيتم بهم. فمثلكم في ذلك ومثلنا كمثل رجل له كرم فرأى فيه ثعلبا فقال: وما ثعلب؟ فانطلق الثعلب إلى ذلك الكرم، فلما اجتمعت عليه سد عليه صاحب الكرم مدخلها فقتلها. وقال لهم أيضًا: مثلكم كمثل جرذان ألفت جرة فيها حب وفي الحرة ثقب، فدخل الأول فأقام فيها، وجعلت الأخر تنقل وتخرج وتكلمه في الخروج فيأبى عليها، حتى إذا انتهى سمن الذي في الجرة فاشتاق إلى أهله ليريهم حسن حاله، ضاق عليه المخرج فلم يقدر على الخروج منها، فشكا الغلق إلى أصحابه وسألهم المخرج فقالوا: لست بخارج حتى تعود إلى حالتك الأولى. فكف وجوع نفسه وبقي في الجرة حتى أتاه صاحبها فقتله. وقال لهم أيضًا: لم يخلق الله خلقا أولع من ذباب ما خلاكم يا معشر
1 / 35