Le chef rebelle Ahmed Urabi
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Genres
فالانقسام هو أول العوامل في إخفاق الثورة ...
يليه تأثير الزعماء في تطور الحوادث ... فلقد كانت تنقصهم الخبرة السياسية، وهذا النقص وحده يكفي لإخفاق أية ثورة في مختلف البلدان.
وقد حرمت الثورة أيضا الكفاية الحربية، مما بدا أثره في المعارك التي نشبت بين الإنجليز والمصريين، ولو كان على رأس الثورة قائد كفء لتغير مصير الوقائع الحربية فيها، ولكنها مع الأسف لم توفق إلى قواد أكفاء، وقد تجلى عدم الكفاية الحربية في إحجام عرابي وصحبه عن سد قناة السويس عند ابتداء القتال، وهذا المثل وحده يدلك على جهل تام بفنون الحرب؛ لأن سد القناة كان أول ما يجب عمله بلا تردد لكي يضمن الدفاع عن مصر كما تقدم بيانه، ولو سدت القناة في الوقت المناسب لطال أجل الحرب، ووجدت مصر الوقت الكافي لتنظيم وسائل الدفاع؛ لأن الأمة كانت مستعدة لبذل كل تضحية للدفاع عن كيانها ... ولكن الخطأ يرجع إلى زعمائها السياسيين والحربيين.
وثمة عامل آخر له أثره الكبير في إخفاق الثورة، وهو قلة البطولة والتضحية ... فقد رأيت كيف كان موقف عرابي في واقعة التل الكبير، وكيف ترك الميدان دون جهاد أو نضال، وكيف سلم نفسه للإنجليز، وكيف كان موقفه أثناء المحاكمة وبعدها.
كان هذا التسليم والخضوع من أكبر العوامل في إخفاق الثورة وانحلالها؛ لأن الأمم تتأثر حتما بنفسية زعمائها ومواقفهم ... فمواقف التضحية والبطولة تبعث في الأمة روح التضحية والبطولة، ومواقف التسليم والخضوع تقضي على هذه الروح، حتى في النفوس التي كانت مشربة بها أو مستعدة لها. •••
فالزعامة تطبع الأمة بطابعها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر ... ولذلك لا تعجب من ضعف المقاومة التي لقيها الإنجليز حين احتلالهم مصر، فإن زعماء الثورة كانوا أول من استسلم في ساعة الخطر، وقد ظهر ضعفهم النفسي في المحاكمة، إذ أخذ كل منهم يتنصل من تبعة الثورة، وتبين من موقفهم أنه كان ينقصهم الإيمان والعقيدة ... وهما أساس النجاح لكل دعوة وكل عمل ... ولو أنهم ضربوا للأمة المثل العليا في التضحية والشجاعة والإقدام، لكانت الثورة العرابية في دورها الثاني صفحة مشرفة من تاريخ مصر القومي، كما كانت في دورها الأول، ولكن أية مقاومة تنتظر بعد أن ترى الأمة زعماءها يتركون ميدان القتال، ويلقون أسلحتهم خاضعين مستسلمين؟!
لا شك أن هذا الموقف وحده من أهم الأسباب في إخفاق الثورة العرابية ... ولو أن عرابي وصحبه قاوموا وقاتلوا في التل الكبير، لكان لهذه الوقعة ولو انتهت بالهزيمة صبغة أخرى غير الصبغة التي طبعت بها، ولو أنهم أدوا واجبهم لاستمرت المقاومة عهدا طويلا، ولبعثوا في البلاد من أقصاها إلى أقصاها روح البذل والتضحية.
قد تقوم في بعض البلاد ثورات تنتهي بالهزيمة ... برغم ما يبذل فيها من جهود وتضحيات، ذلك حين تتغلب عليها القوة وتقمعها، فأمثال هذه الهزيمة لا تعد إخفاقا، بل هي صفحة مشرفة من كفاح الأمة في سبيل حريتها واستقلالها، وهي بما يتخللها ويزينها من البطولة والشجاعة والتضحية، تبعث في الأمة دما جديدا، يجدد من حيويتها ويزيدها قوة ومرانا على الكفاح والمقاومة، وتظل صفحة جهادها مثلا عاليا، تحتذيه الأجيال المتعاقبة في افتداء الوطن بالنفس والمال ...
ومن العوامل الداخلية في إخفاق الثورة سياسة الخديو توفيق، فهو لم يكن مؤمنا بالشورى ولا موقنا بحق الأمة في الدستور، وعلى ما كان عليه من الضعف والتردد، فإنه كان يميل إلى الحكومة المطلقة، يستأثر فيها بالسلطة هو وحاشيته والمقربون إليه، ولم يكن يعترف لغير هؤلاء بالنفوذ والسلطان، اللهم إلا لممثلي الدول الأجنبية، فإنه كان يحرص على كسب ودهم وثقتهم ...
ومن هنا جاء خضوعه لرغبات معتمدي إنجلترا وفرنسا، ولو كان صادق الرغبة في احترام حقوق الأمة، لما اتخذت منه الدولتان تكأة لمحاربة الثورة، فقد استغلتا ميوله الخاصة وكراهيته للثورة، ففاجأتا البلاد بمذكرة 7 يناير سنة 1882 التي تقدم الكلام عنها، ولما اشتد الخلاف بينه وبين وزارة البارودي في حادثة مؤامرة الضباط الشراكسة، بدأ انحيازه إلى التدخل الإنجليزي الفرنسي بشكل واضح، ولما انسحبت فرنسا من الميدان استمر انحيازه إلى جانب التدخل الإنجليزي. •••
Page inconnue